فصل: (فَصْلٌ): (وَطْءُ الْمَغْصُوبَةِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.(فَصْلٌ): [نَقْصُ الْمَغْصُوبِ يَضْمَنُهُ الْغَاصِبُ]:

(وَيَضْمَنُ) غَاصِبٌ (نَقْصَ مَغْصُوبٍ) بَعْدَ غَصْبِهِ وَقَبْلَ رَدِّهِ- (وَلَوْ) كَانَ النَّقْصُ (رَائِحَةَ مِسْكٍ أَوْ نَحْوَهُ) كَعَنْبَرٍ- لِأَنَّ قِيمَتَهُ تَخْتَلِفُ بِالنَّظَرِ إلَى قُوَّةِ رَائِحَتِهِ وَضَعْفِهَا، (أَوْ) كَانَ النَّقْصُ (بِنَبَاتِ لِحْيَةِ قِنٍّ)؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ فِي الْقِيمَةِ بِتَغَيُّرِ صِفَةٍ، أَشْبَهَ النَّقْصَ بِتَغَيُّرِ بَاقِي الصِّفَاتِ، وَكَذَا قَطْعُ ذَنَبِ حِمَارٍ أَوْ بَغْلٍ أَوْ فَرَسٍ إذْ الْقَصْدُ بِالضَّمَانِ جَبْرُ حَقِّ الْمَالِكِ بِإِيجَابِ قَدْرِ مَا فَوَّتَ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ فَاتَ الْجَمِيعُ لَوَجَبَتْ قِيمَتُهُ، فَإِذَا فَاتَ مِنْهُ شَيْءٌ وَجَبَ قَدْرُهُ مِنْ الْقِيمَةِ؛ كَغَيْرِ الْحَيَوَانِ، وَإِنْ غَصَبَ قِنًّا فَعَمِيَ عِنْدَهُ؛ قُوِّمَ صَحِيحًا ثُمَّ أَعْمَى، وَأُخِذَ مِنْ غَاصِبٍ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ، وَكَذَا لَوْ نَقَصَ لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ شَجَّةٍ. (وَإِنْ) غَصَبَ عَبْدًا وَ(خَصَاهُ) هُوَ أَوْ غَيْرُهُ (وَلَوْ زَادَتْ قِيمَتُهُ بِخُصَاهُ لَهُ، أَوْ أَزَالَ) مِنْهُ (مَا تَجِبُ فِيهِ دِيَةٌ) كَامِلَةٌ (مِنْ حُرٍّ) كَأَنْفِهِ أَوْ لِسَانِهِ أَوْ يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ؛ (رَدَّهُ) عَلَى مَالِكِهِ، (وَ) رَدَّ (قِيمَتَهُ) كُلَّهَا نَصًّا، وَلَا يَمْلِكُهُ الْجَانِي؛ لِأَنَّ الْمُتْلَفَ الْبَعْضُ، فَلَا يَتَوَقَّفُ ضَمَانُهُ عَلَى زَوَالِ الْمِلْكِ؛ كَقَطْعِ خُصْيَتَيْ ذَكَرٍ مُدَبَّرٍ، وَلِأَنَّ الْمَضْمُونَ هُوَ الْمُفَوِّتُ، فَلَا يَزُولُ الْمِلْكُ عَنْ غَيْرِهِ بِضَمَانِهِ؛ كَمَا لَوْ قَطَعَ تِسْعَ أَصَابِعَ. (وَإِنْ قَطَعَ) غَاصِبٌ مِنْ رَقِيقٍ مَغْصُوبٍ (مَا فِيهِ مُقَدَّرٌ) مِنْ حُرٍّ (دُونَ الدِّيَةِ) الْكَامِلَةِ؛ كَقَطْعِ يَدٍ أَوْ جَفْنٍ أَوْ هُدْبٍ وَنَحْوِهِ؛ فَعَلَى غَاصِبٍ (أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ) مِنْ دِيَةِ الْمَقْطُوعِ أَوْ نَقْصِ قِيمَتِهِ؛ لِوُجُودِ سَبَبِ كُلٍّ مِنْهُمَا، فَوَجَبَ أَكْثَرُهُمَا، وَدَخَلَ فِي الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ وَالْيَدَ وُجِدَا فِيهِ جَمِيعًا. فَلَوْ غَصَبَ عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفٌ، فَزَادَتْ قِيمَتُهٌ عِنْدَهُ إلَى أَلْفَيْنِ، ثُمَّ قَطَعَ يَدَهُ، فَصَارَ يُسَاوِي أَلْفَيْنِ وَخَمْسَمِائَةٍ؛ كَانَ عَلَيْهِ مَعَ رَدِّهِ أَلْفٌ، وَإِنْ كَانَ الْقَاطِعُ لِيَدِهِ غَيْرَ الْغَاصِبِ، وَقَدْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ مِائَتَيْنِ قَبْلُ، وَصَارَ بَعْدَ الْقَطْعِ يُسَاوِي أَرْبَعَمِائَةٍ؛ كَانَ عَلَى الْجَانِي أَرْبَعُمِائَةٍ؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ مَضْمُونَةٌ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ، وَهِيَ حِينَ الْقَطْعِ ثَمَانُمِائَةٍ، وَعَلَى الْغَاصِبِ مِائَتَانِ؛ لِأَنَّهَا نَقَصَتْ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ فِي يَدِهِ، وَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ الْغَاصِبِ مَا عَلَيْهِ، وَعَلَى الْجَانِي، لِأَنَّ مَا وَجَدَهُ فِي يَدِهِ فِي حُكْمِ الْمَوْجُودِ مِنْهُ، (وَيَرْجِعُ غَاصِبٌ غَرِمَ) الْجَمِيعَ (مِنْ جَانٍ بِأَرْشِ جِنَايَةٍ)؛ لِحُصُولِ التَّلَفِ بِفِعْلِهِ، فَيَسْتَقِرُّ ضَمَانُهُ عَلَى الْغَاصِبِ (فَقَطْ)- أَيْ: دُونَ مَا زَادَ عَنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ فَيَسْتَقِرُّ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ الْجَانِيَ لَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ، وَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ الْجَانِي أَرْشَ الْجِنَايَةِ، وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُضَمِّنْهُ أَكْثَرَ مِمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ، وَيَضْمَنُ الْغَاصِبُ مَا بَقِيَ مِنْ النَّقْصِ، وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ. (وَلَا يَرُدُّ مَالِكٌ) تَعَيَّبَ مَالُهُ عِنْدَ غَاصِبٍ، وَاسْتَرَدَّهُ وَأَرْشَ عَيْبِهِ (أَرْشَ مَعِيبٍ أَخَذَهُ) مِنْ غَاصِبٍ (بِزَوَالِهِ)- أَيْ: الْعَيْبِ- (عِنْدَهُ)- أَيْ: الْمَالِكِ- كَمَا لَوْ غَصَبَ عَبْدًا، فَمَرِضَ عِنْدَهُ، فَرَدَّهُ وَأَرْشَ نَقْصِهِ بِالْمَرَضِ، ثُمَّ بَرِئَ عِنْدَ مَالِكٍ بِحَيْثُ لَمْ يَضُرَّ بِهِ نَقْصٌ؛ فَلَا يُرَدُّ أَرْشُهُ؛ لِأَنَّهُ عِوَضُ مَا حَصَلَ بِيَدِ الْغَاصِبِ مِنْ النَّقْصِ بِتَعَدِّيهِ، وَاسْتَقَرَّ ضَمَانُهُ بِرَدِّ الْمَغْصُوبِ نَاقِصًا، فَإِنْ أَخَذَهُ مَالِكُهُ دُونَ أَرْشِهِ، فَزَالَ عَيْبُهُ قَبْلَ أَخْذِ أَرْشِهِ؛ لَمْ يَسْقُطْ ضَمَانُهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَرِئَ فِي يَدِ غَاصِبٍ، فَيَرُدُّ مَالِكُهُ أَرْشَهُ إنْ كَانَ أَخَذَهُ. (وَلَا يَضْمَنُ) غَاصِبٌ رَدَّ مَغْصُوبًا بِحَالِهِ (نَقْصَ سِعْرٍ)؛ كَثَوْبٍ غَصَبَهُ وَهُوَ يُسَاوِي مِائَةً، وَلَمْ يَرُدَّهُ حَتَّى نَقَصَ سِعْرُهُ، فَصَارَ يُسَاوِي ثَمَانِينَ مَثَلًا؛ فَلَا يَلْزَمُهُ بِرَدِّهِ شَيْءٌ، لِأَنَّهُ رَدَّ الْعَيْنَ بِحَالِهَا لَمْ تَنْقُصْ عَيْنًا وَلَا صِفَةً، بِخِلَافِ السِّمَنِ وَالصِّفَةِ، وَلَا حَقَّ لِلْمَالِكِ فِي الْقِيمَةِ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ، وَإِنَّمَا حَقُّهُ فِيهَا وَهِيَ بَاقِيَةٌ كَمَا كَانَتْ؛ (كَهُزَالٍ زَادَ بِهِ) سِعْرُ الْمَغْصُوبِ، أَوْ لَمْ يَزِدْ بِهِ وَلَمْ يَنْقُصْ؛ كَعَبْدٍ مُفْرِطٍ فِي السِّمَنِ قِيمَتُهُ يَوْمَ غَصْبٍ ثَمَانُونَ، فَهَزِلَ عِنْدَ غَاصِبٍ، فَصَارَ يُسَاوِي مِائَةً، أَوْ بَقِيَتْ قِيمَتُهُ بِحَالِهَا، فَلَا يَرُدُّ مَعَهُ، الْغَاصِبُ شَيْئًا؛ لِعَدَمِ نَقْصِهِ. (وَيَضْمَنُ) غَاصِبٌ (زِيَادَةَ مَغْصُوبٍ) بِأَنْ سَمُنَ أَوْ تَعَلَّمَ صَنْعَةً (عِنْدَهُ)، ثُمَّ هَزِلَ أَوْ نَسِيَ الصَّنْعَةَ؛ فَعَلَيْهِ رَدُّهُ وَمَا نَقَصَ بَعْدَ الزِّيَادَةِ، سَوَاءٌ طَالَبَهُ الْمَالِكُ بِرَدِّهِ زَائِدًا أَوْ لَا؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ فِي نَفْسِ الْمَغْصُوبِ، فَضَمِنَهَا الْغَاصِبُ كَمَا لَوْ طَالَبَهُ بِرَدِّهَا وَلَمْ يَفْعَلْهُ، وَلِأَنَّهَا زَادَتْ مِلْكَ مَالِكِهَا فَضَمِنَهَا الْغَاصِبُ كَالْمَوْجُودَةِ حَالَ الْغَصْبِ، بِخِلَافِ زِيَادَةِ السِّعْرِ، فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَوْجُودَةً حِينَ الْغَصْبِ لَمْ يَضْمَنْهَا؛ وَالصِّنَاعَةُ إنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ عَيْنِ الْمَغْصُوبِ فَهِيَ صِفَةٌ فِيهِ وَتَابِعَةٌ لَهُ.
وَ(لَا) يَضْمَنُ غَاصِبٌ (مَرَضًا) طَرَأَ عَلَى مَغْصُوبٍ بِيَدِهِ وَ(بَرِئَ مِنْهُ فِي يَدِهِ)- أَيْ: الْغَاصِبِ- لِزَوَالِ الْمُوجِبِ لِلضَّمَانِ فِي يَدِهِ، وَكَذَا لَوْ حَمَلَتْ فَنَقَصَتْ، ثُمَّ وَضَعَتْ فِي يَدِ غَاصِبٍ، فَزَالَ نَقْصُهَا، لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا. (وَلَا) يَضْمَنُ غَاصِبٌ شَيْئًا (إنْ) زَادَ مَغْصُوبٌ، فَزَادَتْ قِيمَتُهُ، ثُمَّ زَالَتْ الزِّيَادَةُ، ثُمَّ (عَادَتْ كَسِمَنٍ زَالَ ثُمَّ عَادَ)؛ لِأَنَّ مَا ذَهَبَ مِنْ الزِّيَادَةِ عَادَ مِثْلُهُ مِنْ جِنْسِهِ، وَهُوَ بِيَدِهِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ مَرِضَ فَنَقَصَتْ قِيمَتُهُ، ثُمَّ بَرِئَ فَعَادَتْ الْقِيمَةُ، وَكَذَا لَوْ نَسِيَ صَنْعَةً ثُمَّ تَعَلَّمَهَا أَوْ بَدَّلَهَا، فَعَادَتْ قِيمَتُهُ كَمَا لَوْ كَانَتْ. (وَلَا) يَضْمَنُ غَاصِبٌ سِوَى الرَّدِّ (إنْ نَقَصَ) الْمَغْصُوبُ فِي يَدِهِ، (فَزَادَ مِثْلُهُ مِنْ جِنْسِهِ)- أَيْ: مِثْلِ النَّقْصِ مِنْ جِنْسِهِ- كَمَا لَوْ غَصَبَ عَبْدًا نَسَّاجًا يُسَاوِي مِائَةً، فَنَسِيَ الصَّنْعَةَ عِنْدَهُ، فَصَارَ يُسَاوِي ثَمَانِينَ، ثُمَّ تَعَلَّمَ الصَّنْعَةَ الَّتِي نَسِيَهَا، فَعَادَ إلَى مِائَةٍ؛ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي نَقْصِهِ حَتَّى (وَلَوْ) كَانَ مَا تَعَلَّمَهُ (صَنْعَةً بَدَلَ صَنْعَةٍ) نَسِيَهَا، كَمَا لَوْ تَعَلَّمَ الْخِيَاطَةَ بَدَلَ النِّسَاجَةِ الَّتِي نَسِيَهَا، فَعَادَتْ قِيمَتُهُ إلَى مِائَةٍ؛ لِأَنَّ الصَّنَائِعَ كُلَّهَا جِنْسٌ مِنْ أَجْنَاسِ الزِّيَادَةِ فِي الرَّقِيقِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ بِهُزَالِهِ ثُمَّ عَادَتْ بِسِمَنِهِ، وَمِثْلُهُ لَوْ كَانَ الْمَنْسِيُّ عِلْمًا، فَتَعَلَّمَ عِلْمًا آخَرَ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الصَّنْعَةِ الَّتِي تَعَلَّمَهَا (مُسَاوِيَةً) لِلصَّنْعَةِ الَّتِي نَسِيَهَا، (أَوْ أَعْلَى) مِنْهَا فِي الشَّرَفِ، أَمَّا لَوْ كَانَتْ أَحْسَنَ صَنْعَةً أَوْ مُسَاوِيَةً لَهَا فِي الشَّرَفِ، لَكِنَّهَا دُونَهَا فِي الرِّبْحِ؛ فَعَلَيْهِ أَرْشُ النَّقْصِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ الْحَاصِلَةُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الزِّيَادَةِ الذَّاهِبَةِ، مِثْلُ أَنْ غَصَبَ عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ فَتَعَلَّمَ صَنْعَةً، فَصَارَ يُسَاوِي مِائَتَيْنِ؛ لَمْ يَسْقُطْ ضَمَانُهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعِدْ مَا ذَهَبَ، بِخِلَافِ الْأُولَى، وَإِنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ دَابَّةً وَنَقَصَتْ بِجِنَايَةٍ أَوْ غَيْرِهَا؛ ضَمِنَ الْغَاصِبُ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهَا، وَلَوْ كَانَ النَّقْصُ بِتَلَفِ إحْدَى عَيْنَيْهَا فَيَغْرَمُ أَرْشَ نَقْصِهَا فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي فَوَّتَهُ عَلَى الْمَالِكِ. (وَإِنْ نَقَصَ) الْمَغْصُوبُ قَبْلَ رَدِّهِ (نَقْصًا غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ)؛ بِأَنْ يَكُونَ سَارِيًا غَيْرَ وَاقِفٍ؛ (كَحِنْطَةٍ ابْتَلَّتْ وَعَفِنَتْ)- بِكَسْرِ الْفَاءِ- وَطَلَبَهَا مَالِكُهَا قَبْلَ بُلُوغِهَا إلَى حَالَةٍ يَعْلَمُ فِيهَا قَدْرَ أَرْشِ نَقْصِهَا؛ (خُيِّرَ) مَالِكُهَا (بَيْنَ) أَخْذِ (مِثْلِهَا) مِنْ مَالِ غَاصِبٍ (أَوْ تَرْكِهَا) بِيَدِ غَاصِبٍ (حَتَّى يَسْتَقِرَّ فَسَادُهَا، وَيَأْخُذُهَا) مَالِكُهَا (وَ) يَأْخُذُ (أَرْشَ نَقْصِهَا)؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الْمِثْلُ ابْتِدَاءً؛ لِوُجُودِ عَيْنِ مَالِهِ؛ وَلَا أَرْشَ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ وَلَا ضَبْطُهُ إذَنْ، وَحَيْثُ كَانَ كَذَلِكَ صَارَتْ الْخِيرَةُ إلَى الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ إذَا رَضِيَ بِالتَّأْخِيرِ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ التَّعْجِيلِ، فَيَأْخُذُ الْعَيْنَ عِنْدَ اسْتِقْرَارِ فَسَادِهَا؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ وَيَأْخُذُ مِنْ الْغَاصِبِ أَرْشَ نَقْصِهَا؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ تَحْتَ يَدِهِ الْعَادِيَةِ؛ أَشْبَهَ تَلَفَ جُزْءٍ مِنْ الْمَغْصُوبِ. (وَعَلَى غَاصِبٍ جِنَايَةُ) قِنٍّ (مَغْصُوبٍ)؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ نَقْصٌ فِيهِ؛ لِتَعَلُّقِهَا بِرَقَبَتِهِ، فَكَانَ مَضْمُونًا عَلَى الْغَاصِبِ؛ كَسَائِرِ نَقْصِهِ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ أَوْ الْمَالَ، (وَ) عَلَيْهِ (إتْلَافُهُ)- أَيْ: بَدَلِ مَا يُتْلِفُهُ- (وَلَوْ) كَانَتْ الْجِنَايَةُ (عَلَى رَبِّهِ)- أَيْ: مَالِكِهِ- (أَوْ) كَانَ الْإِتْلَافُ (لِمَالِهِ)- أَيْ: مَالَ مَالِكِهِ- (بِالْأَقَلِّ مِنْ أَرْشِ) جِنَايَتِهِ (أَوْ قِيمَتِهِ)- أَيْ: الْعَبْدِ- لِأَنَّ جِنَايَتَهُ عَلَى سَيِّدِهِ مِنْ جُمْلَةِ جِنَايَاتِهِ، فَكَانَتْ مَضْمُونَةً عَلَى الْغَاصِبِ؛ كَالْجِنَايَةِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ، وَكَذَا حُكْمُ مَا أَتْلَفَهُ الْقِنُّ الْمَغْصُوبُ مِنْ مَالِ أَجْنَبِيٍّ أَوْ سَيِّدِهِ لِمَا سَبَقَ، وَلَا يَسْقُطُ ذَلِكَ بِرَدِّ الْغَاصِبِ لَهُ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ وَجَدَهُ فِي يَدِهِ. فَلَوْ بِيعَ فِي الْجِنَايَةِ بَعْدَ الرَّدِّ؛ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ بِالْقَدْرِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ؛ لِاسْتِقْرَارِهِ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَتَلَ الْمَغْصُوبُ سَيِّدَهُ أَوْ غَيْرَهُ أَوْ قِنًّا، فَقُتِلَ بِهِ؛ ضَمِنَهُ الْغَاصِبُ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ؛ لِتَلَفِهِ بِيَدِهِ، فَإِنْ عُفِيَ عَنْهُ عَلَى مَالٍ تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ، وَضَمِنَهُ الْغَاصِبُ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ كَمَا يَفْدِيهِ سَيِّدُهُ، وَإِنْ قَطَعَ يَدًا مَثَلًا، فَقُطِعَتْ يَدُهُ قِصَاصًا؛ فَعَلَى غَاصِبٍ نَقْصُهُ؛ كَمَا لَوْ سَقَطَتْ بِلَا جِنَايَةٍ، وَإِنْ عُفِيَ عَلَى مَالٍ فَكَمَا تَقَدَّمَ. (و هِيَ)- أَيْ: جِنَايَةُ مَغْصُوبٍ- (عَلَى غَاصِبٍ هَدَرٌ)؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ عَلَى غَيْرِهِ كَانَتْ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ، وَلَا يَجِبُ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ شَيْءٌ فَسَقَطَ، (وَكَذَا) جِنَايَةُ الْمَغْصُوبِ (عَلَى مَالِهِ)- أَيْ: الْغَاصِبِ- هَدَرٌ لِمَا تَقَدَّمَ إلَّا إنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ (فِي قَوَدٍ)؛ فَلَا تُهْدَرُ؛ لِأَنَّهَا حَقٌّ تَعَلَّقَ بِنَفْسِهِ لَا يُمْكِنُ تَضْمِينُهُ لِغَيْرِهِ، فَاسْتُوْفِيَ مِنْهُ، وَلَوْ قَتَلَ عَبْدٌ مَغْصُوبٌ عَبْدًا لِلْغَاصِبِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَقْتُولُ لِسَيِّدِهِ أَوْ غَيْرِهِ، فَإِنَّهُ (يُقْتَلُ) قِصَاصًا إنْ كَانَ قَتْلُهُ لَهُ عَمْدًا، وَلِسَيِّدِ الْمَقْتُولِ (إنْ طَلَبَ) الْقَوَدَ قَتْلُهُ بِهِ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ، (وَيَرْجِعُ) السَّيِّدُ (عَلَيْهِ)- أَيْ: عَلَى الْغَاصِبِ- (بِقِيمَتِهِ)؛ لِتَلَفِهِ فِي يَدِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ مَاتَ بِيَدِهِ. (وَزَوَائِدُ مَغْصُوبٍ) كَوَلَدِ حَيَوَانٍ وَثَمَرِ شَجَرٍ (إذَا تَلِفَتْ، أَوْ نَقَصَتْ) فِي يَدِ الْغَاصِبِ، (أَوْ جَنَتْ) عَلَى الْمَالِكِ أَوْ غَيْرِهِ (كَهُوَ)- أَيْ: كَالْمَغْصُوبِ بِالْأَصَالَةِ- سَوَاءٌ تَلِفَتْ مُنْفَرِدَةً أَوْ مَعَ أَصْلِهَا؛ لِأَنَّهَا مِلْكٌ لَمَالِكِ الْأَصْلِ، وَقَدْ حَصَلَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ الْمَالِكِ بِسَبَبِ إثْبَاتِ يَدِهِ الْمُعْتَدِيَةِ عَلَى الْأَصْلِ، فَتَبِعَتْهُ فِي الْحُكْمِ، فَإِذَا غَصَبَ حَامِلًا أَوْ حَائِلًا، فَحَمَلَتْ عِنْدَهُ وَوَلَدَتْ؛ فَالْوَلَدُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ إنْ وَلَدَتْهُ حَيًّا. وَإِنْ وَلَدَتْهُ مَيِّتًا وَقَدْ غَصَبَهَا حَامِلًا؛ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تُعْلَمْ حَيَاتُهُ. وَإِنْ كَانَتْ قَدْ حَمَلَتْ بِهِ عِنْدَهُ، وَوَلَدَتْهُ مَيِّتًا؛ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَيْضًا. جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ.
(وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: مَنْ اسْتَعَانَ بِعَبْدِ غَيْرِهِ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ فَحُكْمُهُ)- أَيْ: الْمُسْتَعِينِ- كَحُكْمِ (غَاصِبٍ حَالَ اسْتِخْدَامِهِ)، فَيَضْمَنُ جِنَايَتَهُ وَنَقْصَهُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُبْدِعِ وَكَذَا فِي الْمُنْتَهَى فِي الدِّيَاتِ.
تَتِمَّةٌ:
لَوْ كَانَ الْعَبْدُ وَدِيعَةً، فَجَنَى جِنَايَةً اسْتَغْرَقَتْ قِيمَتَهُ، ثُمَّ إنَّ الْمُودِعَ قَتَلَهُ بَعْدَهَا؛ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ، وَتَعَلَّقَ بِهَا أَرْشُ الْجِنَايَةِ، فَإِذَا أَخَذَهَا وَلِيُّ الْجِنَايَةِ؛ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُودِعِ؛ لِأَنَّهُ جَنَى وَهُوَ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ. وَلَوْ جَنَى الْعَبْدُ فِي يَدِ سَيِّدِهِ جِنَايَةً تَسْتَغْرِقُ قِيمَتَهُ، ثُمَّ غُصِبَ، فَجَنَى فِي يَدِ الْغَاصِبِ جِنَايَةً تَسْتَغْرِقُ قِيمَتَهُ؛ بِيعَ فِي الْجِنَايَتَيْنِ، وَقُسِمَ ثَمَنُهُ بَيْنَهُمَا، وَرَجَعَ صَاحِبُ الْعَبْدِ عَلَى الْغَاصِبِ بِمَا أَخَذَهُ الثَّانِي مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ كَانَتْ فِي يَدِهِ، وَكَانَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوَّلًا أَنْ يَأْخُذَهُ دُونَ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الَّذِي يَأْخُذُهُ الْمَالِكُ مِنْ الْغَاصِبِ هُوَ عِوَضُ مَا أَخَذَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ ثَانِيًا، فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّهُ، وَيَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ قِيمَةِ الْجَانِي لَا يُزَاحَمُ فِيهِ، وَإِنْ مَاتَ هَذَا الْعَبْدُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ؛ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ تُقْسَمُ بَيْنَهُمَا، وَيَرْجِعُ الْمَالِكُ عَلَى الْغَاصِبِ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ ضَامِنٌ لِلْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ، وَيَكُونُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوَّلًا أَنْ يَأْخُذَهُ؛ لِمَا ذَكَرْنَا.

.(فَصْلٌ): [خَلْطُ الْمَغْصُوبِ بِغَيْرِهِ]:

(إنْ خَلَطَ) غَاصِبٌ أَوْ غَيْرُهُ (مَا)- أَيْ: مَغْصُوبًا- (لَا يَتَمَيَّزُ كَزَيْتٍ وَنَقْدٍ بِمِثْلِهَا؛ لَزِمَهُ مِثْلُهُ)- أَيْ: الْمَغْصُوبِ- كَيْلًا أَوْ وَزْنًا (مِنْهُ)- أَيْ: الْمُخْتَلِطِ مِنْ الْمَغْصُوبِ وَغَيْرِهِ- لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى رَدِّ بَعْضِ مَالِهِ إلَيْهِ مَعَ رَدِّ الْمِثْلِ فِي الْبَاقِي، فَلَمْ يَنْقُلْ إلَيْهِ بَدَلُهُ فِي الْجَمِيعِ؛ كَمَا لَوْ غَصَبَ صَاعًا فَتَلِفَ بَعْضُهُ.
(وَ) إنْ خَلَطَ مَغْصُوبًا (بِدُونِهِ، أَوْ) خَلَطَهُ (بِخَيْرٍ مِنْهُ) مِنْ جِنْسِهِ، (أَوْ) خَلَطَهُ (بِغَيْرِ جِنْسِهِ) مِمَّا لَهُ قِيمَةٌ- وَلَوْ بِمَغْصُوبٍ مِثْلِهِ لِآخَرَ- وَكَانَ الْخَلْطُ (عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَمَيَّزُ كَزَيْتٍ بِشَيْرَجٍ)، وَدَقِيقِ حِنْطَةٍ بِدَقِيقِ شَعِيرٍ وَنَحْوِهِ؛ (فا) لِمَالِكَانِ (شَرِيكَانِ) فِي الْمُخْتَلَطِ (بِقَدْرِ قِيمَتِهِمَا، فَيُبَاعُ الْكُلُّ وَيَدْفَعُ لِكُلِّ وَاحِدٍ قَدْرَ حَقِّهِ؛ كَاخْتِلَاطِهِمَا مِنْ غَيْرِ غَصْبٍ)؛ لِأَنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَصَلَ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَى حَقِّهِ، فَإِنْ نَقَصَ الْمَغْصُوبُ عَنْ قِيمَتِهِ مُنْفَرِدًا؛ فَعَلَى الْغَاصِبِ النَّقْصُ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِفِعْلِهِ، وَإِنْ خَلَطَهُ بِمَا لَا قِيمَةَ لَهُ كَزَيْتٍ بِمَاءٍ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ تَحْصِيلُهُ خَلَّصَهُ، وَرَدَّهُ وَنَقَّصَهُ، وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ يُفْسِدُهُ فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ. (وَحَرُمَ تَصَرُّفُ غَاصِبٍ) فِي قَدْرِ مَالِهِ مِنْ الْمُخْتَلَطِ. (وَيَتَّجِهُ وَ) مِثْلُهُ (مَغْصُوبٌ مِنْهُ) مَالٌ، وَخُلِطَ بِغَيْرِ مُتَمَيِّزٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (فِي قَدْرِ مَالِهِ فِيهِ)- أَيْ: الْمُخْتَلَطَ- بِدُونِ إذْنِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ. لِاسْتِحَالَةِ انْفِرَادِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ، فَإِنْ أَذِنَهُ مَالِكُ الْمَغْصُوبِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا، وَلِأَنَّهَا قِسْمَةٌ، فَلَا تَجُوزُ بِغَيْرِ رِضَى الشَّرِيكَيْنِ، وَلَا يَجُوزُ أَيْضًا لِلْغَاصِبِ إخْرَاجُ قَدْرِ الْحَرَامِ مِنْ الْمُخْتَلَطِ بِدُونِ إذْنِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ اشْتِرَاكٌ، لَا اسْتِهْلَاكٌ؛ فَلَا يُقَاسِمُ نَفْسَهُ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ؛ هَذَا قَدْ اخْتَلَطَ أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ أَعْجَبُ إلَيَّ أَنْ يَتَنَزَّهَ عَنْهُ كُلِّهِ، وَيَتَصَدَّقَ، وَأَنْكَرَ قَوْلَ مَنْ قَالَ: يُخْرِجُ مِنْهُ قَدْرَ مَا خَالَطَهُ. هَذَا إنْ عَرَفَ رَبَّهُ، وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهِ، وَلَا يُؤْكَلُ عِنْدَهُ شَيْءٌ. وَإِنْ شَكَّ فِي قَدْرِ الْحَرَامِ تَصَدَّقَ بِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ أَكْثَرُ مِنْهُ. نَصَّ عَلَيْهِ. (وَلَوْ اخْتَلَطَ دِرْهَمٌ) لِإِنْسَانٍ (بِدِرْهَمَيْنِ) لِآخَرَ (وَلَا غَصْبَ) مِنْ أَحَدِهِمَا (لِآخَرَ وَلَا تَمْيِيزَ) لِأَحَدِ الْمَالَيْنِ عَنْ الْآخِرِ، (فَتَلِفَ) دِرْهَمَانِ (اثْنَانِ) مِنْ الثَّلَاثَةِ؛ (فَمَا بَقِيَ)- وَهُوَ دِرْهَمٌ- (فَهُوَ بَيْنَهُمَا)- أَيْ: بَيْنَ الدِّرْهَمَيْنِ وَالدِّرْهَمِ- (نِصْفَيْنِ)؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّالِفُ الدِّرْهَمَيْنِ فَيَخْتَصُّ صَاحِبُ الدِّرْهَمِ بِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّالِفُ دِرْهَمًا لِهَذَا وَدِرْهَمًا لِهَذَا، فَيَخْتَصُّ صَاحِبُ الدِّرْهَمَيْنِ بِالْبَاقِي، فَتَسَاوَيَا، وَلَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ ذَلِكَ، وَمَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَمَيِّزٌ قَطْعًا، بِخِلَافِ الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ. غَايَتُهُ أَنَّهُ أُبْهِمَ عَلَيْنَا. ذَكَرَهُ فِي الْإِنْصَافِ. وَإِنْ خَلَطَ الْمَغْصُوبَ بِغَيْرِ جِنْسِهِ، فَتَرَاضَيَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ؛ جَازَ؛ لِأَنَّ بَدَلَهُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، فَلَا تَحْرُمُ الزِّيَادَةُ بَيْنَهُمَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ خَلَطَهُ بِجَيِّدٍ أَوْ رَدِيءٍ، وَاتَّفَقَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ مِنْ الرَّدِيءِ أَوْ دُونَ حَقِّهِ مِنْ الْجَيِّدِ؛ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ رِبًا. وَإِنْ كَانَ الْعَكْسُ، فَرَضِيَ بِدُونِ أَخْذِ حَقِّهِ مِنْ الرَّدِيءِ، أَوْ يَسْمَحُ الْغَاصِبُ بِدَفْعِ أَكْثَرِ مِنْ حَقِّهِ مِنْ الْجَيِّدِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُقَابِلَ لِلزِّيَادَةِ. (وَإِنْ غَصَبَ ثَوْبًا، فَصَبَغَهُ) الْغَاصِبُ (بِصِبْغَةٍ، أَوْ) غَصَبَ (سَوِيقًا فَلَتَّهُ) الْغَاصِبُ (بِزَيْتِهِ فَنَقَصَتْ قِيمَتُهُمَا)- أَيْ: قِيمَةُ الثَّوْبِ وَالصَّبْغِ أَوْ قِيمَةُ الزَّيْتِ وَالسَّوِيقِ أَوْ نَقَصَتْ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا- (ضَمِنَ) الْغَاصِبُ (النَّقْصَ)؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِتَعَدِّيهِ، فَضَمِنَهُ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ بَعْضَهُ، وَإِنْ كَانَ النَّقْصُ بِسَبَبِ تَغَيُّرِ الْأَسْعَارِ؛ لَمْ يَضْمَنْهُ، (وَإِنْ لَمْ تَنْقُصْ) قِيمَتُهُمَا، (وَلَمْ تَزِدْ، أَوْ زَادَتْ قِيمَتُهُمَا) مَعًا؛ فَرَبُّ الثَّوْبِ وَالصَّبْغِ أَوْ السَّوِيقِ وَالزَّيْتِ (شَرِيكَانِ) فِي الثَّوْبِ وَصَبْغِهِ أَوْ السَّوِيقِ [وَزَيْتِهِ (بِقَدْرِ مَالَيْهِمَا)؛ لِاجْتِمَاعِ مِلْكَيْهِمَا، وَهُوَ يَقْتَضِي الِاشْتِرَاكَ، فَيُبَاعُ ذَلِكَ، وَيُوَزَّعُ] الثَّمَنُ عَلَى قَدْرِ الْقِيمَتَيْنِ، وَكَذَا لَوْ غَصَبَ زَيْتًا، فَجَعَلَهُ صَابُونًا. (وَإِنْ زَادَتْ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا كَغُلُوِّ قِيمَةِ صَبْغٍ فَقَطْ) دُونَ الثَّوْبِ؛ كَأَنْ كَانَتْ قِيمَةُ الثَّوْبِ عَشَرَةً وَبَقِيَتْ كَذَلِكَ، وَقِيمَةُ الصَّبْغِ خَمْسَةٌ فَصَارَ مَصْبُوغًا يُسَاوِي عِشْرِينَ بِسَبَبِ غُلُوِّ الصَّبْغِ (أَوْ) غُلُوِّ (ثَوْبٍ فَقَطْ) دُونَ الصَّبْغِ؛ فَالزِّيَادَةُ (لِصَاحِبِهِ)- أَيْ: الَّذِي غَلَا سِعْرُهُ مِنْ الثَّوْبِ أَوْ الصَّبْغِ- يَخْتَصُّ بِهَا؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ تَبَعٌ لِلْأَصْلِ، وَإِنْ زَادَ أَحَدُهُمَا أَرْبَعَةً وَالْآخَرُ وَاحِدًا؛ فَهِيَ بَيْنَهُمَا كَذَلِكَ. وَإِنْ حَصَلَتْ الزِّيَادَةُ بِالْعَمَلِ؛ فَهِيَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ مَا عَمِلَهُ الْغَاصِبُ فِي الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ لِمَالِكِهَا حَيْثُ كَانَ أَثَرًا، وَزِيَادَةُ مَالِ الْغَاصِبِ لَهُ، وَلَيْسَ لِلْغَاصِبِ مَنْعُ رَبِّ الثَّوْبِ مِنْ بَيْعِهِ، فَإِنْ بَاعَهُ، فَصَبَغَهُ لَهُ بِحَالِهِ. (فَإِنْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا)- أَيْ: مَالِكُ الثَّوْبِ أَوْ مَالِكُ الصَّبْغِ- (قَلْعَ الصَّبْغِ) مِنْ الثَّوْبِ؛ (لَمْ يَجِبْ)؛- أَيْ: لَمْ تَلْزَمْ إجَابَتُهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ إتْلَافًا لِمِلْكِ الْآخَرِ حَتَّى. (وَلَوْ ضَمِنَ) طَالِبُ الْقَلْعِ (النَّقْصَ) لِهَلَاكِ الصَّبْغِ بِالْقَلْعِ، فَتَضِيعُ مَالِيَّتُهُ، وَهُوَ سَفَهٌ. وَإِنْ بَذَلَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ قِيمَةَ مَالِهِ؛ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَبُولِهَا؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ. (وَلِمَالِكِ ثَوْبٍ بَيْعُهُ)؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، وَهُوَ عَيْنٌ، وَصِبْغُهُ بَاقٍ لِلْغَاصِبِ. (وَلَوْ أَبَى غَاصِبٌ) بَيْعَ الثَّوْبِ الْمَصْبُوغِ؛ فَلَا يَمْنَعُ مِنْهُ مَالِكَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ فِي مِلْكِهِ، (لَا عَكْسَهُ)؛ أَيْ: لَوْ أَرَادَ الْغَاصِبُ بَيْعَ الثَّوْبِ الْمَصْبُوغِ، وَأَبَى الْمَالِكُ؛ لَمْ يُجْبَرْ؛ لِحَدِيثِ: «إنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ». وَإِنْ بَذَلَ الْغَاصِبُ لِرَبِّ الثَّوْبِ قِيمَتَهُ لِيَمْلِكَهُ، أَوْ بَذَلَ رَبُّ الثَّوْبِ قِيمَةَ الصَّبْغِ لِلْغَاصِبِ لِيَمْلِكَهُ؛ لَمْ يُجْبَرْ الْآخَرُ؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ لَا تَجُوزُ إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا. (وَيَتَّجِهُ وَغَاصِبُ وَرَقٍ وَكَتَبَ فِيهِ)- أَيْ: فِي الْوَرِقِ- شَيْئًا (مُبَاحًا) مِنْ فِقْهٍ وَحَدِيثٍ وَنَحْوِهِ؛ حُكْمُهُ (كَصِبْغٍ) عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ، وَإِنْ كَتَبَ فِيمَا غَصَبَهُ مِنْ الْوَرِقِ شَيْئًا (حَرَامًا) كَشَعْبَذَةٍ وَسِحْرٍ وَزَنْدَقَةٍ وَنَحْوِهَا؛ فَهُوَ (كَتَلَفٍ)- أَيْ: كَتَلَفِهِ بِفِعْلِهِ- يَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَلْزَمُ الْمَالِكَ قَبُولُ صِبْغٍ) لِلْغَاصِبِ صَبَغَ بِهِ الثَّوْبَ الْمَغْصُوبَ، (وَ) يَلْزَمُهُ قَبُولُ (تَزْوِيقِ دَارِ) مَغْصُوبٍ وَنَحْوِهِ؛ كَمَا لَوْ غَصَبَ غَزْلًا فَنَسَجَهُ، أَوْ ثَوْبًا فَقَصَّرَهُ، أَوْ حَدِيدًا فَضَرَبَهُ سُيُوفًا، أَوْ إبَرًا، أَوْ شَاةً ذَبَحَهَا وَشَوَاهَا، وَزَادَتْ الْقِيمَةُ بِذَلِكَ الْعَمَلِ، (وُهِبَ لَهُ)؛ لِأَنَّهُ مِنْ صِفَاتِ- الْعَيْنِ؛ فَهُوَ كَزِيَادَةِ الصِّفَةِ فِيهِ، وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي الْفَصْلِ قَبْلَهُ: وَلِمَالِكٍ إجْبَارُ غَاصِبٍ عَلَى رَدِّ مَا أَمْكَنَ رَدُّهُ إلَى حَالَتِهِ؛ فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ هُنَاكَ [عَلَى مَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ بِذَلِكَ الْعَمَلِ زِيَادَةٌ، وَهُنَا عَلَى حُصُولِهَا؛ فَلَا مُعَارَضَةَ].
وَ(لَا) يَلْزَمُ الْمَالِكَ- إذَا غَصَبَ مِنْهُ خَشَبًا وَجَعَلَهُ بَابًا، ثُمَّ وَهَبَهُ الْمَسَامِيرَ- قَبُولُ هِبَةٍ (مَسَامِيرَ لِلْغَاصِبِ سَمَّرَ بِهَا) الْخَشَبَ (الْمَغْصُوبَ)؛ لِأَنَّهَا أَعْيَانٌ مُتَمَيِّزَةٌ أَشْبَهَتْ الْغِرَاسَ؛ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهَا كَغَيْرِهَا مِنْ الْأَعْيَانِ؛ لِلْمِنَّةِ. (وَإِنْ غَصَبَ صِبْغًا، فَصَبَغَ) الْغَاصِبُ (بِهِ ثَوْبَهُ، أَوْ) غَصَبَ (زَيْتًا فَلَتَّ بِهِ) الْغَاصِبُ (سَوِيقَهُ)؛ فَرَبُّ الصِّبْغِ أَوْ الزَّيْتِ وَالْغَاصِبُ (شَرِيكَانِ) فِي الثَّوْبِ الْمَصْبُوغِ أَوْ السَّوِيقِ الْمَلْتُوتِ (بِقَدْرِ حَقَّيْهِمَا) فِي ذَلِكَ، فَيُبَاعَانِ، وَيُوَزَّعُ الثَّمَنُ عَلَى قَدْرِ الْحَقَّيْنِ؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ يَصِلُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِحَقِّهِ (وَيَضْمَنُ) الْغَاصِبُ (النَّقْصَ) إنْ وُجِدَ؛ لِحُصُولِهِ بِفِعْلِهِ، وَلَا شَيْءَ لَهُ إنْ زَادَ الْمَغْصُوبُ فِي نَظِيرِ عَمَلِهِ؛ لِتَبَرُّعِهِ بِهِ. (وَإِنْ غَصَبَ ثَوْبًا وَصِبْغًا) مِنْ وَاحِدٍ (فَصَبَغَهُ بِهِ؛ رَدَّهُ)- أَيْ: الثَّوْبَ- مَصْبُوغًا؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مِلْكِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ، (وَرَدَّ أَرْشَ نَقْصِهِ) إنْ نَقَصَ؛ لِتَعَدِّيهِ بِهِ، (وَلَا شَيْءَ لَهُ)- أَيْ: الْغَاصِبِ- (إنْ زَادَ) بِعَمَلِهِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الصِّبْغُ لِوَاحِدٍ وَالثَّوْبُ لِوَاحِدٍ؛ فَهُمَا شَرِيكَانِ بِقَدْرِ مِلْكَيْهِمَا. وَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُمَا؛ فَلَهُمَا. وَإِنْ زَادَتْ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا؛ فَلِرَبِّهِ. وَإِنْ نَقَصَتْ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا؛ غَرِمَهُ الْغَاصِبُ. وَإِنْ نَقَصَ السِّعْرُ لِنَقْصِ سِعْرِ الثِّيَابِ أَوْ الصِّبْغِ أَوْ لِنَقْصِ سِعْرِهِمَا؛ لَمْ يَضْمَنْهُ الْغَاصِبُ، وَنَقْصُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ. وَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا قَلْعَ الصِّبْغِ؛ لَمْ يُجْبَرْ الْآخَرُ، وَكَذَا لَوْ غَصَبَ سَوِيقًا مِنْ وَاحِدٍ وَزَيْتًا مِنْ آخَرَ وَلَتَّهُ، أَوْ نَشًا وَعَسَلًا مِنْ اثْنَيْنِ وَعَقَدَهُ حَلْوَى. (وَكَذَا إنْقَاءُ دَنَسِ ثَوْبٍ بِصَابُونٍ) مِنْ الْغَاصِبِ إنْ أَوْرَثَ نَقْصًا فِي الثَّوْبِ ضَمِنَهُ الْغَاصِبُ؛ لِحُصُولِهِ بِفِعْلِهِ، وَإِنْ زَادَ الثَّوْبُ بِالْإِنْقَاءِ؛ فَالزِّيَادَةُ لِلْمَالِكِ، وَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ فِي عَمَلِهِ؛ لِتَبَرُّعِهِ بِهِ. (وَلَوْ غَصَبَهُ)- أَيْ: الثَّوْبَ (نَجِسًا، وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ- (وَلَوْ) كَانَ الْمَغْصُوبُ (نَحْوَ إنَاءٍ) كَأَمْتِعَةٍ مِنْ فُرُشٍ وَبُسُطٍ وَغَيْرِهَا وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (حَرُمَ تَطْهِيرُهُ)- أَيْ: الْمَغْصُوبِ مِنْ الثَّوْبِ وَنَحْوِهِ- (بِلَا إذْنٍ) صَرِيحٍ مِنْ رَبِّهِ؛ كَسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ، وَلَيْسَ لِلْمَالِكِ تَكْلِيفُ الْغَاصِبِ بِتَطْهِيرِهِ؛ لِأَنَّ نَجَاسَتَهُ لَمْ تَحْصُلْ بِيَدِهِ، (وَكَذَا لَوْ تَنَجَّسَ) الثَّوْبُ وَنَحْوُهُ (عِنْدَهُ)- أَيْ: الْغَاصِبِ؛ لَمْ يَجُزْ لَهُ تَطْهِيرُهُ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهِ؛ لِمَا سَبَقَ- (لَكِنْ يَلْزَمُ) الْغَاصِبَ- أَيْ: لِلْمَالِكِ إلْزَامُهُ- (بِتَطْهِيرِهِ)؛ لِأَنَّهُ تَنَجَّسَ تَحْتَ يَدِهِ الْعَادِيَةِ، وَلَوْ رَدَّ الثَّوْبَ نَجِسًا فَعَلَيْهِ مُؤْنَةُ تَطْهِيرِهِ؛ لِأَنَّهُ كَالنَّقْصِ الْحَاصِلِ فِي يَدِهِ.

.(فَصْلٌ): [وَطْءُ الْمَغْصُوبَةِ]:

(وَيَجِبُ بِوَطْءِ غَاصِبٍ) أَمَةً مَغْصُوبَةً (عَالِمٍ تَحْرِيمَهُ)- أَيْ: تَحْرِيمَ الْوَطْءِ- (حَدٌّ)- أَيْ: حَدَّ الزِّنَا- لِأَنَّهَا لَيْسَتْ زَوْجَةً لَهُ وَلَا مِلْكَ يَمِينٍ، وَلَا شُبْهَةَ تَدْرَأُ الْحَدَّ، وَكَذَا الْأَمَةُ يَلْزَمُهَا الْحَدُّ إنْ طَاوَعَتْ عَلَى الزِّنَا وَكَانَتْ مُكَلَّفَةً غَيْرَ جَاهِلَةٍ بِالتَّحْرِيمِ.
(وَ) يَجِبُ بِوَطْئِهِ (مَهْرُ أَمَةٍ) مِثْلِهَا بِكْرٍ إنْ كَانَتْ بِكْرًا؛ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَارِثِيُّ، وَإِلَّا فَثَيِّبًا، وَلَوْ كَانَتْ مُطَاوِعَةً. هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلسَّيِّدِ، فَلَا يَسْقُطُ بِمُطَاوَعَتِهَا؛ كَمَا لَوْ أَذِنَتْ فِي قَطْعِ يَدَيْهَا، وَعَلَى الْغَاصِبِ أَيْضًا (أَرْشُ بَكَارَةٍ) أَزَالَهَا؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ مِنْهَا، فَلَا يَنْدَرِجُ فِي الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْمَهْرِ وَالْأَرْشِ يُضْمَنُ مُنْفَرِدًا؛ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ وَطِئَهَا ثَيِّبًا وَجَبَ مَهْرُهَا، وَإِنْ افْتَضَّهَا بِأُصْبُعِهِ؛ وَجَبَ أَرْشُ بَكَارَتِهَا، فَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَضْمَنَهَا إذَا اجْتَمَعَا، وَيَأْتِي فِي النِّكَاحِ أَنَّ أَرْشَ بَكَارَةِ الْحُرَّةِ يَنْدَرِجُ فِي مَهْرِهَا.
(وَ) يَجِبُ بِوَطْئِهِ إذَا حَمَلَتْ مِنْهُ وَوَلَدَتْ أَرْش (نَقْصٍ بِوِلَادَةٍ)؛ لِحُصُولِهِ بِفِعْلِهِ بِغَيْرِ الْوِلَادَةِ، وَلَوْ قَتَلَهَا غَاصِبٌ بِوَطْئِهِ، أَوْ مَاتَتْ بِغَيْرِهِ؛ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا. (وَتُضْمَنُ) لَوْ اسْتَرَدَّهَا الْمَالِكُ حَامِلًا، (فَمَاتَتْ بِنِفَاسٍ)؛ لِأَنَّهُ أَثَرُ فِعْلِهِ؛ كَمَا لَوْ اسْتَرَدَّ الْحَيَوَانَ الْمَغْصُوبَ، وَقَدْ جَرَحَهُ الْغَاصِبُ، فَسَرَى الْجُرْحُ إلَى النَّفْسِ عِنْدَ الْمَالِكِ، فَمَاتَ. (وَالْوَلَدُ) مِنْ الْغَاصِبِ (مِلْكٌ لِرَبِّهَا)- أَيْ: لِرَبِّ الْأَمَةِ- لِأَنَّهُ مِنْ نَمَائِهَا، وَلِأَنَّهُ يَتْبَعُ أُمَّهُ فِي الرِّقِّ فِي النِّكَاحِ الْحَلَالِ فَهُنَا أَوْلَى، وَيَجِبُ رَدُّهُ مَعَهَا؛ كَسَائِرِ الزَّوَائِدِ، (وَيَضْمَنُهُ) الْغَاصِبُ (سَقْطًا)- أَيْ: مَوْلُودًا قَبْلَ تَمَامِهِ حَيًّا- (لَا) إذَا وُلِدَ (مَيِّتًا)، وَلَوْ تَامًّا (بِلَا جِنَايَةٍ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ تُعْلَمْ حَيَاتُهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا كَانَ بِجِنَايَتِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الْجَانِي مُطْلَقًا، سَوَاءٌ نَزَلَ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا [بِعُشْرِ] (قِيمَةِ أُمِّهِ)؛ كَمَا لَوْ جَنَى عَلَيْهِ، وَإِنْ وَلَدَتْهُ تَامًّا حَيًّا، ثُمَّ مَاتَ؛ ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا. وَإِنْ وَلَدَتْهُ مَيِّتًا بِجِنَايَةٍ؛ فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُهُ لِمَنْ شَاءَ مِنْ جَانٍ وَغَاصِبٍ، (وَقَرَارُهُ)- أَيْ: الضَّمَانِ- (مَعَهَا)- أَيْ: الْجِنَايَةِ إنْ سَقَطَ بِهَا- (عَلَى الْجَانِي)؛ لِوُجُودِ الْإِتْلَافِ مِنْهُ، (وَكَذَا وَلَدُ بَهِيمَةٍ) مَغْصُوبَةٍ فِي الضَّمَانِ، وَمَتَى وَلَدَتْ الْأَمَةُ مِنْ غَيْرِ الْغَاصِبِ مِمَّنْ يَعْلَمُ الْحَالَ؛ فَهُوَ مِلْكٌ لِرَبِّهَا، كَمَا لَوْ أَتَتْ بِهِ مِنْ الْغَاصِبِ. (وَيَتَّجِهُ وَيَضْمَنُ) الْغَاصِبُ جَنِينَ بَهِيمَةٍ وَلَدَتْهُ قَبْلَ رَدِّهَا (بِمَا نَقَصَ أُمَّهُ)، فَتُقَوَّمُ قَبْلَ الْوِلَادَةِ وَبَعْدَهَا، ويُؤْخَذُ مِنْهُ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ؛ كَمَا لَوْ جَنَى عَلَيْهَا غَيْرُهُ.
قَالَ فِي الْمُبْدِعِ.: فَرْعٌ: ضَرَبَ الْبَهِيمَةَ، فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا؛ ضَمِنَ نَقْصَ الْقِيمَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَالْوَلَدُ) الَّذِي تَأْتِي بِهِ الْأَمَةُ الْمَغْصُوبَةُ (مِنْ جَاهِلٍ) لِلْحُكْمِ وَلَوْ أَنَّهُ الْغَاصِبُ وَمِثْلُهُ يَجْهَلُهُ لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ، أَوْ كَوْنِهِ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ يَخْفَى عَلَيْهِ مِثْلُ هَذَا، وَتَأْتِي بِهِ (مَعَ شُبْهَةٍ) مِنْ جَاهِلِ الْحَالِ؛ بِأَنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ بِأَمَتِهِ أَوْ زَوْجَتِهِ فِي نَحْوِ ظُلْمَةٍ، أَوْ اشْتَرَاهَا مِنْ الْغَاصِبِ يَظُنُّهَا أَمَتَهُ، أَوْ تَزَوَّجَهَا مِنْهُ عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ، فَأَتَتْ مِنْهُ بِوَلَدٍ؛ فَإِنَّهُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ (حُرٌّ)، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِلشُّبْهَةِ، وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ وَأَرْشُ الْبَكَارَةِ وَنَقْصُ الْوِلَادَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إتْلَافٌ يَسْتَوِي فِيهِ الْجَاهِلُ وَالْعَالِمُ، وَكَوْنُهُ حُرًّا لِاعْتِقَادِ الْوَاطِئِ الْإِبَاحَةَ، وَنَسَبُهُ لَاحِقٌ لِلْغَاصِبِ لِلشُّبْهَةِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الْغَاصِبِ جَاهِلًا (وَيَفْدِي)- أَيْ: يَلْزَمُ الْوَاطِئَ فِدَاءُ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّيِّدِ بِتَفْوِيتِ رِقِّهِ بِاعْتِقَادِهِ (بِانْفِصَالِهِ حَيًّا)؛ لِأَنَّهَا إذَا وَضَعَتْهُ مَيِّتًا لَمْ تُعْلَمْ حَيَاتُهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَلَمْ يُوجَدْ حَيْلُولَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَيَكُونُ الْفِدَاءُ (بِقِيمَتِهِ)- أَيْ: الْوَلَدِ- نَصًّا؛ كَسَائِرِ الْمُتَقَوِّمَاتِ (يَوْمَ وَضْعِهِ)؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ حَالِ إمْكَانِ تَقْوِيمِهِ؛ إذْ لَا يُمْكِنُ تَقْوِيمُهُ حَمْلًا، وَلِأَنَّهُ وَقْتُ الْحَيْلُولَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ. وَإِنْ انْفَصَلَ الْمَحْكُومُ بِحُرِّيَّتِهِ مَيِّتًا مِنْ غَيْرِ جِنَايَةٍ؛ فَغَيْرُ مَضْمُونٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تُعْلَمْ حَيَاتُهُ قَبْلَ ذَلِكَ. وَإِنْ (كَانَ) انْفِصَالُهُ (بِجِنَايَةٍ)؛ فَعَلَى [جَانٍ] الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ وُجِدَ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ مِنْ الْغَاصِبِ؛ فَعَلَيْهِ (غُرَّةٌ لِوَارِثِهِ) عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ قِيمَتُهَا خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ مَوْرُوثَةٌ عَنْهُ كَأَنَّهُ وُلِدَ حَيًّا؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ جَنِينًا حُرًّا، وَلَا يَرِثُ الْغَاصِبُ مِنْهَا شَيْئًا لَوْ كَانَ الْوَلَدُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَاتِلٌ لَهُ. (وَعَلَى غَاصِبٍ) لِلسَّيِّدِ (عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ)، فَيَضْمَنُهُ لَهُ ضَمَانَ الْمَمَالِيكِ، وَلِهَذَا لَوْ وَضَعَتْهُ حَيًّا قَوَّمْنَاهُ مَمْلُوكًا وَقَدْ فَوَّتَ رِقَّهُ عَلَى سَيِّدِهِ. وَإِنْ كَانَ لِجِنَايَةٍ مِنْ غَيْرِ الْغَاصِبِ؛ فَعَلَى الْجَانِي الْغُرَّةُ يَرِثُهَا الْغَاصِبُ؛ لِأَنَّهُ أَبُو الْجَنِينِ دُونَ أُمِّهِ؛ لِأَنَّهَا رَقِيقَةٌ، وَعَلَى الْغَاصِبِ عُشْرُ قِيمَةِ الْأُمِّ لِلْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ يَضْمَنُهُ ضَمَانَ الْمَمَالِيكِ؛ لِكَوْنِهِ قَدْ فَوَّتَ رِقَّهُ عَلَى السَّيِّدِ، وَمَتَى انْتَقَلَتْ الْعَيْنُ الْمَغْصُوبَةُ عَنْ يَدِ الْغَاصِبِ إلَى الْمَالِكِ، فَالْمُنْتَقِلَةُ إلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ فِي كَوْنِ الْمَالِكِ يَمْلِكُ تَضْمِينَهُ الْعَيْنَ وَالْمَنْفَعَةَ الْفَائِتَةَ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ عَالِمًا بِالْحَالِ كَانَ غَاصِبًا، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا؛ فَلِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ». وَلِأَنَّ الْعَيْنَ الْمَغْصُوبَةَ صَارَتْ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَمَلَكَ الْمَالِكُ تَضْمِينَهُ بِمَا يَمْلِكُ تَضْمِينَ الْغَاصِبِ، لَكِنْ إنَّمَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ مَا دَخَلَ عَلَى ضَمَانِهِ مِنْ عَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ، وَيَسْتَقِرُّ مَا لَمْ يَدْخُلْ عَلَى ضَمَانِهِ عَلَى غَاصِبٍ. إذَا تَقَرَّرَ مَا ذُكِرَ فَالْأَيْدِي الْمُرَتَّبَةُ عَلَى يَدِ الْغَاصِبِ عَشَرَةٌ: الْأُولَى: الْقَابِضَةُ تَمَلُّكًا بِعِوَضٍ مُسَمًّى، وَهِيَ يَدُ الْمُشْتَرِي وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ كَالْمُتَّهَبِ بِعِوَضٍ، فَمَنْ غَصَبَ أَمَةً بِكْرًا، وَاشْتَرَاهَا مِنْهُ آخَرُ، وَاسْتَوْلَدَهَا ثُمَّ مَاتَتْ عِنْدَهُ، أَوْ غَصَبَ دَارًا أَوْ بُسْتَانًا أَوْ عَبْدًا ذَا صَنْعَةٍ أَوْ بَهِيمَةً، فَاشْتَرَاهَا إنْسَانٌ وَاسْتَعْمَلَهَا إلَى أَنْ تَلِفَتْ عِنْدَهُ، ثُمَّ حَضَرَ الْمَالِكُ، وَضَمِنَ الْمُشْتَرِي مَا وَجَبَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ؛ لَمْ يَرْجِعْ بِالْقِيمَةِ وَلَا بِأَرْشِ الْبَكَارَةِ عَلَى أَحَدٍ؛ لِدُخُولِهِ عَلَى ضَمَانِ ذَلِكَ؛ لِبَذْلِهِ الْعِوَضَ فِي مُقَابَلَةِ الْعَيْنِ، بِخِلَافِ الْمَنَافِعِ؛ فَإِنَّمَا تَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي تَبَعًا لِلْعَيْنِ. (وَيَرْجِعُ مُتَمَلِّكُ غَصْبٍ)- أَيْ: مَغْصُوبٍ- (بِعِوَضٍ كَقَرْضٍ وَشِرَاءٍ وَهِبَةٍ بِعِوَضٍ إذَا غَرِمَ) بِتَضْمِينِ الْمَالِكِ لَهُ (عَلَى غَاصِبٍ بِنَقْصِ وِلَادَةٍ وَمَنْفَعَةٍ فَائِتَةٍ بِإِبَاقٍ أَوْ نَحْوِهِ) كَمَرَضٍ (وَمَهْرٍ وَأُجْرَةِ نَفْعٍ وَثَمَرٍ وَكَسْبٍ وَقِيمَةِ وَلَدٍ) مِنْهُ، أَوْ مِنْ زَوْجٍ زَوَّجَهَا إيَّاهُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى ضَمَانِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَيَكُونُ قَرَارُهُ عَلَى الْغَاصِبِ، فَإِذَا غَرِمَهُ الْمَالِكُ لِلْمُشْتَرِي أَوْ شَيْئًا مِنْهُ؛ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ حَيْثُ جَهِلَ الْمُشْتَرِي الْحَالَ، فَإِنْ عَلِمَهُ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ كُلُّهُ.
(وَ) يَرْجِعُ (غَاصِبٌ) غَرِمَ الْجَمِيعَ لِمَالِكٍ (عَلَى مُتَمَلِّكٍ)- وَهُوَ الْمُشْتَرِي- (بِقِيمَةِ غَصْبٍ وَأَرْشِ بَكَارَةٍ)؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ دَخَلَ مَعَ الْغَاصِبِ عَلَى ضَمَانِ ذَلِكَ. الثَّانِيَةُ: يَدُ مُسْتَأْجِرٍ، وَقَدْ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ: (وَفِي إجَارَةٍ يَرْجِعُ مُسْتَأْجِرٌ) غَرَّمَ الْمَالِكُ قِيمَةً الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ عَلَى غَاصِبٍ (بِقِيمَةِ عَيْنٍ) تَلِفَتْ بِيَدِهِ بِلَا تَفْرِيطٍ، وَجَهِلَ الْحَالَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى ضَمَانِهَا، بِخِلَافِ قِيمَةِ الْمَنْفَعَةِ فَتَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ؛ لِدُخُولِهِ عَلَى ضَمَانِهَا، (وَ) يَرْجِعُ (غَاصِبٌ) غَرَّمَ الْمَالِكُ الْعَيْنَ وَالْمَنْفَعَةَ عَلَيْهِ- أَيْ: عَلَى مُسْتَأْجِرٍ- (بِقِيمَةِ مَنْفَعَةٍ)؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى ضَمَانِ الْمَنْفَعَةِ دُونَ الْعَيْنِ، فَإِنْ ضَمَّنَ الْمَالِكُ الْغَاصِبَ الْعَيْنَ أَوْ الْمَنْفَعَةَ مَعًا؛ رَجَعَ الْغَاصِبُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ بِقِيمَةِ الْمَنْفَعَةِ، وَإِنْ ضَمِنَهَا الْمُسْتَأْجِرُ؛ رَجَعَ عَلَى الْغَاصِبِ بِقِيمَةِ الْعَيْنِ. (وَيَسْتَرِدُّ مُتَمَلِّكٌ وَمُسْتَأْجِرٌ) مِنْ غَاصِبٍ إذَا (لَمْ يُقِرَّ بِالْمِلْكِ) لِلْغَاصِبِ (مَا دَفَعَاهُ لَهُ مِنْ الْمُسَمَّى) فِي عَقْدِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ مِنْ ثَمَنٍ وَأُجْرَةٍ، (وَلَوْ عَلِمَا)- أَيْ: المستملك وَالْمُسْتَأْجِرُ- (الْحَالَ)؛ أَيْ: كَوْنَ الْعَيْنِ الْمُتَمَلَّكَةِ أَوْ الْمُؤَجَّرَةِ مَغْصُوبَةً؛ لِانْتِفَاءِ صِحَّةِ الْعَقْدِ مَعَ الْعِلْمِ وَعَدَمِهِ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ غَيْرُ مَالِكٍ وَغَيْرُ مَأْذُونٍ لَهُ مِنْ قِبَلِ الْمَالِكِ، فَلَا يَمْلِكُ الثَّمَنَ وَلَا الْأُجْرَةَ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْقِيمَةُ الَّتِي ضُمِنَتْ لِلْمَالِكِ وَفْقَ الثَّمَنِ أَوْ دُونَهُ أَوْ فَوْقَهُ، مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْحَابِ هُنَا.
قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَوَاعِدِ: لَوْ أَقَرَّ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ بِالْمِلْكِ؛ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِ، وَلَا يُعَارِضُهُ مَا يَأْتِي فِي الدَّعَاوَى وَالْبَيِّنَاتِ أَنَّ قَوْلَ الْمُدَّعِي: اشْتَرَيْته مِنْ زَيْدٍ، وَهُوَ مِلْكُهُ؛ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ إذَا انْتَزَعَهُ الْمُدَّعِي، وَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ بِأَنْ يَحْمِلَ مَا يَأْتِي مَا إذَا أَقَرَّ بِالْمِلْكِ جَاهِلًا بِالْحَالِ، وَمَا هُنَا عَلَى مَا إذَا كَانَ عَالِمًا بِالْحَالِ، فَيَرْجِعُ مَعَ الْجَهْلِ، لَا مَعَ الْعِلْمِ؛ فَلَا مُعَارَضَةَ إذَنْ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ بَقَاءِ كُلٍّ مِنْ الْكَلَامَيْنِ عَلَى عُمُومِهِ؛ لِمَا عَلِمْت أَنَّهُ مُحْتَمَلٌ خُصُوصًا. وَظَاهِرُ الْإِقْنَاعِ الرُّجُوعُ فِي الْكُلِّ، فَغَايَةُ مَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مَفْهُومَهُ هُنَا فِيهِ تَفْصِيلٌ دَلَّ عَلَيْهِ مَنْطُوقُ مَا يَأْتِي، فَتَلَخَّصَ أَنَّ الرُّجُوعَ فِيمَا إذَا جُهِلَ الْحَالُ سَوَاءٌ أَقَرَّ أَمْ لَا، أَوْ عَلِمَا الْحَالَ وَلَمْ يُقِرَّ، فَارْتَفَعَ التَّعَارُضُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ، وَالنِّزَاعُ بَيْنَ الْمُصَنِّفِ وَصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ فِي صُورَةِ مَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي وَالْمُسْتَأْجِرُ عَالِمًا مُقِرًّا بِالْمِلْكِ. فَالْإِقْنَاعُ عَلَى الرُّجُوعِ، وَالْمُصَنِّفُ عَلَى عَدَمِهِ، فَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ: خِلَافًا لَهُ، وَلَوْ طَالَبَ الْمَالِكُ الْغَاصِبَ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ إذَا كَانَ أَزْيَدَ مِنْ الْقِيمَةِ، قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي الْمُتَّجِرِ فِي الْوَدِيعَةِ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ: أَنَّ الرِّبْحَ لِلْمَالِكِ. الثَّالِثَةُ: يَدُ الْقَابِضِ تَمَلُّكًا بِلَا عِوَضٍ إمَّا لِلْعَيْنِ بِمَنَافِعِهَا كَيَدِ الْمُتَّهَبِ وَالْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ وَالْمُوصَى لَهُ بِالْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ، وَإِمَّا لِلْمَنْفَعَةِ فَقَطْ كَالْمُوصَى لَهُ بِمَنَافِعِهَا. الرَّابِعَةُ: يَدُ الْقَابِضِ لِمَصْلَحَةِ الدَّافِعِ فَقَطْ كَوَكِيلٍ وَمُودَعٍ عِنْدَهُ الْعَيْنُ الْمَغْصُوبَةُ، وَإِلَيْهِمَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَفِي تَمَلُّكٍ بِلَا عِوَضٍ) كَهِبَةٍ وَهَدِيَّةٍ وَصَدَقَةٍ وَوَصِيَّةٍ بِعَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ (وَعَقْدِ أَمَانَةٍ) كَوَكَالَةٍ الْوَدِيعَةٍ وَرَهْنٍ مَعَ جَهْلِ قَابِضٍ بِغَصْبٍ؛ (يَرْجِعُ مُتَمَلِّكٌ وَأَمِينٌ غَرِمَا) عَلَى غَاصِبٍ (بِقِيمَةِ عَيْنٍ وَمَنْفَعَةٍ)؛ لِكَوْنِهِمَا مَغْرُورَيْنِ بِتَغْرِيرِ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَدْخُلَا عَلَى ضَمَانِ شَيْءٍ، فَكَانَ لَهُمَا الرُّجُوعُ بِمَا ضَمِنَاهُ. وَلَا يُنَاقِضُ مَا سَبَقَ فِي الْوَكَالَةِ وَالرَّهْنِ مِنْ أَنَّ الْوَكِيلَ وَالْأَمِينَ فِي الرَّهْنِ إذَا بَاعَا وَقَبَضَا الثَّمَنَ، ثُمَّ بَانَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا؛ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يُطَالِبُهُمَا بِالثَّمَنِ الَّذِي أَقْبَضَهُ لَهُمَا؛ لِتَعَلُّقِ حُقُوقِ الْعَقْدِ بِالْمُوَكِّلِ دُونَ الْوَكِيلِ، أَمَّا كَوْنُ الْمُسْتَحِقِّ لِلْعَيْنِ لَا يُطَالِبُ الْوَكِيلَ فَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ هُنَاكَ أَلْبَتَّةَ، وَهُوَ بِمَعْزِلٍ عَنْ مَسْأَلَتِهِمْ بِالْكُلِّيَّةِ. قَالَهُ ابْنُ رَجَبٍ (وَلَا يَرْجِعُ غَاصِبٌ) غَرِمَ عَلَى مَنْ أَوْدَعَهُ أَوْ وَهَبَهُ وَنَحْوَهُمَا الْعَيْنُ الْمَغْصُوبَةُ إذَا تَلِفَتْ تَحْتَ يَدِهِ بِلَا تَفْرِيطٍ (بِشَيْءٍ) مِنْ قِيمَةِ عَيْنٍ وَلَا مَنْفَعَةٍ حَيْثُ جُهِلَ الْحَالُ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (وَلَا) يَرْجِعُ غَاصِبُ أَمَةٍ مَلَكَهَا لِجَاهِلِ الْحَالِ (بِمَهْرٍ وَلَا بِأَرْشِ بَكَارَةٍ وَلَا بِنَقْصٍ) غَرِمَ ذَلِكَ لِمَالِكِهَا؛ لِتَعَدِّيهِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمِنْ هُنَا)- أَيْ: مِنْ قَوْلِهِ: وَفِي تَمَلُّكٍ بِلَا عِوَضٍ إلَى آخِرِهِ- (عُلِمَ أَنَّ الْوَكِيلَ) عَلَى الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ (وَالْمُرْتَهِنَ) لَهَا (وَالْأَمِينَ فِي الرَّهْنِ)، وَهُوَ مَنْ جُعِلَتْ تَحْتَ يَدِهِ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ (لِرَبِّ الْعَيْنِ) الْمَغْصُوبَةِ (الْمُسْتَحِقِّ لِلضَّمَانِ)- أَيْ: لِلتَّضْمِينِ- (مُطَالَبَتُهُمْ بِهَا)- أَيْ: الْعَيْنَ الْمَغْصُوبَةَ- لِأَنَّهُمْ كَالْغَاصِبِ، (وَإِنْ لَمْ يُفَرِّطُوا)؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ الْمَغْصُوبَةَ مَضْمُونَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ- وَلَوْ لَمْ يَعْلَمُوا بِالْغَصْبِ- لَكِنْ لَهُمْ الرُّجُوعُ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ عَقْدَهُمْ لَوْ كَانَ صَحِيحًا لَمَا اقْتَضَى ضَمَانَ عَيْنٍ وَلَا مَنْفَعَةٍ، وَكَذَا سَائِرُ الْأَيْدِي الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى الْغَاصِبِ. فَعَقْدُ الْبَيْعِ يَقْتَضِي أَنَّ الْبَيْعَ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ حَتَّى لَوْ تَلِفَ فَاتَ مَجَّانًا، بِخِلَافِ الْمَنَافِعِ فَإِنَّمَا تَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي تَبَعًا لِلْعَيْنِ لِأَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ، وَعَقْدُ الْإِجَارَةِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَنْفَعَةَ مَضْمُونَةٌ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ دُونَ الْعَيْنِ؛ فَإِنَّ الْمُسْتَأْجِرَ إنَّمَا أَعْطَى الْأُجْرَةَ فِي مُقَابَلَةِ الْمَنْفَعَةِ خَاصَّةً، فَهِيَ مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِ بِالْأُجْرَةِ وَالْعَيْنُ مَعَهُ أَمَانَةٌ لَمْ يَلْتَزِمْ ضَمَانَهَا؛ الْوَدِيعَةُ وَالْهِبَةُ تَقْتَضِي عَدَمَ ضَمَانِ الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ، وَالْعَارِيَّةُ تَقْتَضِي ضَمَانَ الْعَيْنِ دُونَ الْمَنْفَعَةِ، وَهَكَذَا تَقُولُ فِي كُلِّ عَقْدٍ بِحَسَبِهِ. الْخَامِسَةُ: يَدُ الْمُسْتَعِيرِ، وَقَدْ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ: (وَفِي عَارِيَّةٍ) مَعَ جَهْلِ مُسْتَعِيرٍ بِالْغَصْبِ إذَا تَلِفَتْ الْعَيْنُ عِنْدَهُ؛ (يَرْجِعُ مُسْتَعِيرٌ) ضَمَّنَهُ مَالِكُ الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ (بِقِيمَةِ مَنْفَعَةٍ) فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى ضَمَانِهَا، وَإِنَّمَا ضَمِنَهَا بِتَغْرِيرِ الْغَاصِبِ، وَيَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ ضَمَانُ الْعَيْنِ إنْ لَمْ تَتْلَفْ بِالِاسْتِعْمَالِ بِالْمَعْرُوفِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهَا عَلَى أَنَّهَا مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِ، وَكَذَا فِي حَالٍ لَمْ تَكُنْ الْعَيْنُ فِيهَا مَضْمُونَةً عَلَى الْمُسْتَعِيرِ؛ بِأَنْ كَانَ مُنْقَطِعًا رَكِبَ دَابَّةً يَدُ صَاحِبِهَا عَلَيْهَا عَارِيَّةً، وَفِيهَا إذَا كَانَ مُسْتَعِيرُهَا مِنْ مُسْتَأْجِرٍ، وَكَذَا مِنْ مُوصٍ لَهُ بِمَنْفَعَتِهَا، وَظَهَرَ أَنَّهَا مَغْصُوبَةٌ؛ فَلِمُسْتَعِيرٍ ضَمَّنَهُ مَالِكُ الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ الرُّجُوعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِقِيمَةِ الْمَنْفَعَةِ. وَيَرْجِعُ (غَاصِبٌ) غَرِمَ لِمَالِكٍ قِيمَةَ الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ عَلَى مُسْتَعِيرٍ جَهِلَ الْغَاصِبَ (بِقِيمَةِ عَيْنٍ) تَلِفَتْ بِغَيْرِ الِاسْتِعْمَالِ بِالْمَعْرُوفِ فَقَطْ لِمَا؛ تَقَدَّمَ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ يَرْجِعُ مُسْتَعِيرٌ بِقِيمَةِ مَنْفَعَةٍ وَغَاصِبٌ بِقِيمَةِ عَيْنٍ (حَيْثُ ضُمِنَتْ) الْعَيْنُ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَمْثِلَةِ آنِفًا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَمَعَ عِلْمِهِ)- أَيْ: الْمُسْتَعِيرِ- بِغَصْبِ الْعَيْنِ الْمُعَارَةِ إذَا ضَمَّنَهُ الْمَالِكُ ابْتِدَاءً قِيمَةِ الْعَيْنِ مَعَ الْمَنْفَعَةِ؛ (لَا يَرْجِع) عَلَى الْغَاصِبِ (بِشَيْءٍ) مِمَّا ضَمَّنَهُ لَهُ مَالِكٌ؛ لِأَنَّهُ تَعَدَّى بِقَبْضِهَا عَالِمًا بِالْحَالِ؛ فَلَا تَغْرِيرَ، وَلِوُجُودِ التَّلَفِ تَحْتَ يَدِهِ. (وَيَرْجِعُ غَاصِبٌ) غَرِمَ ابْتِدَاءً فِي هَذِهِ الْحَالَةِ قِيمَةَ الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ لَمَالِكٍ (بِهِمَا)- أَيْ: بِقِيمَةِ الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ- عَلَى مُسْتَعِيرٍ عَالِمٍ بِالْحَالِ؛ لِدُخُولِهِ عَلَى ذَلِكَ. السَّادِسَةُ: يَدُ الْغَاصِبِ، وَهِيَ الْمُشَارُ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (وَفِي غَصْبٍ يَرْجِعُ غَاصِبٌ أَوَّلٌ بِمَا غَرِمَ) لِمَالِكٍ مِنْ قِيمَةِ عَيْنٍ وَمَنْفَعَةٍ عَلَى غَاصِبٍ ثَانٍ؛ لِتَلَفِهِمَا تَحْتَ يَدِهِ الْعَادِيَةِ، لَكِنْ إنْ لَمْ يُغْصَبْهَا الثَّانِي عَقِبَ الْأَوَّلِ لَمْ يُطَالِبْهُ الْأَوَّلُ إلَّا بِقِيمَةِ مَنْفَعَتِهَا زَمَنَ إقَامَتِهَا عِنْدَهُ. (وَلَا يَرْجِعُ) غَاصِبٌ (ثَانٍ) إذَا غَرِمَ لِلْمَالِكِ قِيمَةَ الْعَيْنِ وَمَنْفَعَتَهَا زَمَنَ إقَامَتِهَا عِنْدَهُ (عَلَيْهِ)- أَيْ: عَلَى الْغَاصِبِ الْأَوَّلِ- (بِشَيْءٍ)؛ لِحُصُولِ التَّلَفِ بِيَدِهِ الْعَادِيَةِ، فَاسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَيْهِ، وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ، لَكِنْ لَا يُغَرِّمُهُ الْمَالِكُ الْمَنْفَعَةَ إلَّا مُدَّةَ إقَامَتِهَا عِنْدَهُ. السَّابِعَةُ: يَدُ الْمُتَصَرِّفِ فِي الْمَالِ بِمَا يُنَمِّيهِ كَشَرِكَةٍ وَمُزَارَعَةٍ (وَفِي نَحْوِ مُضَارَبَةٍ وَمُسَاقَاةٍ يَرْجِع عَامِلٌ) مَثَلًا غَرِمَ عَلَى غَاصِبٍ (بِقِيمَةِ عَيْنٍ) تَلِفَتْ تَحْتَ يَدِهِ بِلَا تَفْرِيطٍ؛ لِدُخُولِهِ عَلَى عَدَمِ ضَمَانِهَا، وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ أَيْضًا (بِأُجْرَةِ عَمَلٍ)؛ لِتَغْرِيرِهِ.
قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَأَمَّا الْمُضَارِبُ وَالْمُزَارِعُ بِالْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ وَشَرِيكُ الْعَنَانِ فَقَدْ دَخَلُوا عَلَى أَنْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ بِحَالٍ، فَإِذَا ضَمِنُوا عَلَى الْمَشْهُورِ؛ رَجَعُوا بِمَا ضَمِنُوا إلَّا حِصَّتَهُمْ مِنْ الرِّبْحِ، فَلَا يَرْجِعُونَ بِضَمَانِهَا؛ لِدُخُولِهِمْ عَلَى ضَمَانِهَا عَلَيْهِمْ بِالْعَمَلِ كَذَلِكَ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمُسَاقِي، وَالْمُزَارِعُ نَظِيرُهُ، وَأَمَّا الْمُضَارِبُ وَالشَّرِيكُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَقِرَّ عَلَيْهِمْ ضَمَانُ شَيْءٍ بِدُونِ الْقِسْمَةِ، سَوَاءٌ قُلْنَا: مَلَكُوا الرِّبْحَ بِالظُّهُورِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ حِصَّتَهُمْ وِقَايَةٌ لِرَأْسِ الْمَالِ، وَلَيْسَ لَهُمْ الِانْفِرَادُ بِالْقِسْمَةِ؛ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ لَهُمْ شَيْءٌ مَضْمُونٌ.
(وَ) يَرْجِعُ (غَاصِبٌ) غَرِمَ لِمَالِكٍ عَلَى عَامِلٍ (بِمَا قَبَضَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ مِنْ رِبْحٍ) فِي مُضَارَبَةٍ، وَبِمَا قَبَضَ مِنْ (ثَمَرِ مُسَاقَاةٍ) وَمِنْ زَرْعٍ فِي مُزَارَعَةٍ، بِقِسْمَةِ الرِّبْحِ أَوْ الثَّمَرِ أَوْ الزَّرْعِ مَعَ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ مَا قَبَضَهُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِفَسَادِ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ لِلْعَامِلِ مُطَالَبَةَ الْغَاصِبِ بِأُجْرَةِ عَمَلِهِ فِي الْمَالِ أَوْ الشَّجَرِ، فَلَا يَجْتَمِعُ لَهُ ذَلِكَ مَعَ الْجُزْءِ الْمَشْرُوطِ لَهُ مِنْ الْمَالِ وَالثَّمَرِ، وَكَذَا لَوْ فَسَدَتْ الْمُضَارَبَةُ أَوْ الْمُسَاقَاةُ مِنْ الْمَالِكِ بِأَيِّ مُفْسِدٍ كَانَ. الثَّامِنَةُ: يَدُ الْمُتَزَوِّجِ لِلْأَمَةِ الْمَغْصُوبَةِ مِنْ الْغَاصِبِ إذَا قَبَضَهَا مِنْ الْغَاصِبِ بِمُقْتَضَى عَقْدِ النِّكَاحِ، وَأَوْلَدَهَا ثُمَّ مَاتَتْ عِنْدَهُ، وَذَكَرهَا بِقَوْلِهِ: (وَفِي نِكَاحٍ يَرْجِعُ زَوْجٌ) غَرَّمَ الْمَالِكُ (بِقِيمَتِهَا) وَأَرْشِ بَكَارَةٍ وَنَقْصِ وِلَادَةٍ (وَقِيمَةِ وَلَدٍ شُرِطَ حُرِّيَّتُهُ) فِي الْعَقْدِ عَلَى الْغَاصِبِ ظَانًّا أَنَّهَا مِلْكُهُ (أَوْ لَا)؛ أَيْ: أَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ حُرِّيَّتُهُ، (وَمَاتَ) الْوَلَدُ بِيَدِ الزَّوْجِ إذَا غَرَّمَهُ إيَّاهَا الْمَالِكُ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ وَإِنْ لَمْ يُفْسِدْ اشْتِرَاطَ ذَلِكَ عَلَى الْغَاصِبِ عَدِمَ رِقَّهُ، لَكِنَّهُ دَخَلَ مَعَ الْغَاصِبِ عَلَى أَنَّهُ لَا غُرْمَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْوَلَدِ، فَإِذَا غَرِمَ ذَلِكَ رَجَعَ عَلَيْهِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ.
(وَ) يَرْجِعُ (غَاصِبٌ) عَلَى زَوْجٍ إنْ غَرِمَ (بِمَهْرِ مِثْلٍ) أَغْرَمَهُ إيَّاهُ الْمَالِكُ؛ لِاسْتِقْرَارِهِ عَلَيْهِ بِالْوَطْءِ وَدُخُولِهِ عَلَى ضَمَانِ الْبُضْعِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ (لَا) يَرْجِعُ الْغَاصِبُ عَلَى الزَّوْجِ (بِأَرْشِ بَكَارَةٍ) غَرِمَهَا لِلْمَالِكِ حَيْثُ جَهِلَ الزَّوْجُ الْغَصْبَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ عَلَى ضَمَانِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا أُلْزِمَ بِهِ الْغَاصِبُ فِيمَا تَقَدَّمَ، لِتَعَدِّيهِ، وَلَا كَذَلِكَ الزَّوْجُ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. لَكِنَّ الْمَذْهَبَ خِلَافُهُ. (وَيَرُدُّ) الْغَاصِبُ لِلزَّوْجِ (مَا أَخَذَ) مِنْهُ (مِنْ) مَهْرٍ (مُسَمًّى)؛ لِفَسَادِ الْعَقْدِ. التَّاسِعُ: الْيَدُ الْقَابِضَةُ لِلْمَغْصُوبِ تَعْوِيضًا بِغَيْرِ عَقْدِ الْبَيْعِ وَمَا بِمَعْنَاهُ، وَأَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (وَفِي إصْدَاقِ غَصْبٍ)؛ أَيْ: وَفِيمَا إذَا تَزَوَّجَ الْغَاصِبُ امْرَأَةً عَلَى الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ، وَقَبَضَتْهَا عَلَى أَنَّهَا صَدَاقُهَا، (وَنَحْوُ خُلْعٍ) كَطَلَاقٍ وَعِتْقٍ وَصُلْحٍ عَنْ دَمِ عَمْدٍ (عَلَيْهِ)- أَيْ: عَلَى الْمَغْصُوبِ- كَمَا لَوْ سَأَلَ الْغَاصِبُ إنْسَانًا أَنْ يَخْلَعَ زَوْجَتَهُ، أَوْ يُطَلِّقَهَا، أَوْ يَعْتِقَ أَمَتَهُ، أَوْ صَالَحَ عَنْ دَمِ عَمْدٍ عَلَى مَا بِيَدِهِ مِنْ مَغْصُوبٍ مُعَيَّنٍ (وَإِيفَاءُ دَيْنٍ بِهِ)؛ كَمَا لَوْ كَانَ فِي ذِمَّةِ إنْسَانٍ عَبْدٌ مَوْصُوفٌ دَيْنُ سَلَمٍ، فَغَصَبَ عَبْدًا بِالصِّفَةِ، وَدَفَعَهُ عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ، فَإِذَا جَاءَ الْمَالِكُ- وَقَدْ تَلِفَ الْمَغْصُوبُ بِيَدِ الْقَابِضِ لَهُ عَلَى وَجْهٍ مِمَّا ذُكِرَ- فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِبَدَلِ الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ، قَالَهُ ابْنُ رَجَبٍ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ (يَرْجِعُ قَابِضٌ) غَرَّمَهُ مَالِكُ قِيمَةِ الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ (بِقِيمَةِ مَنْفَعَةٍ) وَمَهْرٍ وَنَقْصِ وِلَادَةٍ وَثَمَرٍ وَكَسْبٍ وَقِيمَةِ وَلَدٍ عَلَى غَاصِبٍ؛ لِتَغْرِيرِهِ إيَّاهُ، وَأَمَّا قِيَمُ الْأَعْيَانِ وَأَرْشُ الْبَكَارَةِ فَمُقْتَضَى مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَمَنْ تَبِعَهُ لَا يَرْجِعُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَنَّهَا مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِ بِحَقِّهِ. قَالَهُ ابْنُ رَجَبٍ، وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ ضَمَانَهَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ.
(وَ) يَرْجِعُ (غَاصِبٌ)- إنْ غَرِمَ- (بِبَدَلِ عَيْنٍ) وَأَرْشِ بَكَارَةٍ عَلَى قَابِضٍ؛ لِمَا سَبَقَ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْبَدَلُ وَفْقَ حَقِّهِ أَوْ دُونَهُ أَوْ أَزْيَدَ مِنْهُ، (وَالدَّيْنُ) فِيمَا إذَا كَانَ الْقَبْضُ ثَابِتًا عَنْ وَفَاءٍ فِي الذِّمَّةِ؛ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ وَدَيْنِ السَّلَمِ وَالْقَرْضِ وَالْأُجْرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، كَقِيَمِ الْمُتْلِفَاتِ بَاقٍ فِي ذِمَّةِ الْغَاصِبِ (بِحَالِهِ)؛ لِفَسَادِ الْقَبْضِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ غَاصِبٌ أَقَبَضَ مَدِينَهُ عَيْنًا مَغْصُوبَةً وَفَاءً عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ، فَتَلِفَتْ وَأَغْرَمَهُ الْمَالِكُ قِيمَتَهَا عَلَى مَدِينِهِ بِبَدَلِهَا (حَيْثُ لَا مُقَاصَّةَ)؛ أَيْ: لَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ مَا ثَبَتَ لِلْمَدِينِ عَلَى الْغَاصِبِ مِنْ قِيمَةِ الْمَنْفَعَةِ، وَبَيْنَ بَدَلِ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ الثَّابِتِ لِلْغَاصِبِ، فَإِنْ تَسَاوَيَا تَقَاصَّا، وَلَا رُجُوعَ لِلْغَاصِبِ بِالْبَدَلِ. مِثَالُهُ لَوْ غَصَبَ زَيْدٌ عَبْدًا لِعَمْرٍو، وَكَانَ عَلَى زَيْدٍ لِبَكْرٍ مِائَةُ دِرْهَمٍ مَثَلًا، فَدَفَعَ الْعَبْدَ وَفَاءً عَنْ دَرَاهِمِهِ، ثُمَّ تَلِفَ الْعَبْدُ، فَإِذَا رَجَعَ عَمْرٌو عَلَى زَيْدٍ بِقِيمَةِ عَبْدِهِ؛ فَلِزَيْدٍ الرُّجُوعُ عَلَى بَكْرٍ بِبَدَلِ الْعَبْدِ، وَلِبَكْرٍ الرُّجُوعُ عَلَى زَيْدٍ بِقِيمَةِ الْمَنْفَعَةِ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهَا عَلَيْهِ، فَيَتَقَاصَّانِ إنْ تَسَاوَى الْبَدَلُ وَالْمَنْفَعَةُ؛ بِأَنْ كَانَ قِيمَتُهَا مِائَةَ دِرْهَمٍ، وَإِنْ لَمْ يَتَسَاوَيَا فَيَسْقُطُ مِنْ الْأَكْثَرِ بِقَدْرِ الْأَقَلِّ، وَيَبْقَى الدَّيْنُ بِحَالِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الْعَاشِرَةُ: يَدُ الْمُتْلِفِ لِلْمَغْصُوبِ نِيَابَةً عَنْ الْغَاصِبِ مَعَ جَهْلِهِ الْحَالَ كَالذَّبْحِ لِلْحَيَوَانِ وَالطَّابِخِ لَهُ، وَهَذَا يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَهُ لَهُ الْمَالِكُ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِوُقُوعِ الْفِعْلِ لِلْغَاصِبِ، وَأَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (وَفِي إتْلَافٍ وَلَوْ مُحَرَّمًا؛ كَقَتْلِ) الْعَبْدِ أَوْ إحْرَاقِ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ الْحَاصِلِ مِنْ إنْسَانٍ جَاهِلٍ بِالْحَالِ (بِإِذْنِ غَاصِبٍ الْقَرَارُ عَلَيْهِ)- أَيْ: عَلَى الْغَاصِبِ- لِوُقُوعِ الْفِعْلِ لَهُ، فَهُوَ كَالْمُبَاشِرِ. قَالَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَالْأَصْحَابُ، وَإِنْ حَصَلَ الْإِتْلَافُ عَلَى وَجْهٍ مُحَرَّمٍ؛ كَمَا لَوْ قَتَلَ الْحَيَوَانَ الْمَغْصُوبَ بِإِذْنٍ مِنْ الْغَاصِبِ (مَعَ عِلْمِ مُتْلِفٍ) بِغَصْبٍ أَوْ عِلْمِ (مُنْتَقِلٍ إلَيْهِ) الْمَغْصُوبُ بِوَجْهٍ (فِيمَا مَرَّ) تَفْصِيلُهُ مِنْ وُجُوهِ الِانْتِقَالِ الثَّلَاثَةِ، وَهِيَ الِانْتِقَالُ بِالشِّرَاءِ أَوْ الْهِبَةِ أَوْ الْعَارِيَّةِ؛ فَحُكْمُهُ حُكْمُ (الْغَاصِبِ) يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الضَّمَانُ؛ لِتَعَدِّيهِ عَلَى مَا يَعْمَلُهُ مِلْكُ غَيْرِهِ بِلَا إذْنِ مَالِكِهِ. (وَإِنْ كَانَ الْمُنْتَقِلُ إلَيْهِ) الْمَغْصُوبُ (فِي هَذِهِ الصُّوَرِ) الْعَشَرَةِ (هُوَ الْمَالِكُ) لَهُ مَعَ جَهْلِهِ أَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ؛ (فَلَا شَيْءَ لَهُ) عَلَى الْغَاصِبِ؛ (لِمَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ)- أَيْ: الْمُنْتَقِلُ إلَيْهِ- ضَمَانُهُ (لَوْ كَانَ أَجْنَبِيًّا)- أَيْ: غَيْرَ الْمَالِكِ- (وَمَا سِوَاهُ)- أَيْ: سِوَى مَا يَسْتَقِرُّ ضَمَانُهُ عَلَى الْمُنْتَقِلِ إلَيْهِ الْغَاصِبُ لَوْ كَانَ أَجْنَبِيًّا- فَهُوَ (غَاصِبٌ)، لِلْمَالِكِ مُطَالَبَتُهُ بِهِ، فَلَوْ غَصَبَ عَبْدًا، ثُمَّ اسْتَعَارَهُ مِنْهُ مَالِكُهُ، ثُمَّ تَلِفَ عِنْدَهُ؛ فَلَا طَلَبَ لَهُ عَلَى غَاصِبٍ بِقِيمَتِهِ، سَوَاءٌ عَلِمَ أَنَّهُ عَبْدُهُ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ ضَمَانَهَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ هُوَ مَالِكُهُ، وَيُطَالِبُهُ بِقِيمَةِ مَنَافِعِهِ مُدَّةَ إقَامَتِهِ عِنْدَ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَا يُسْقِطُهَا.
تَتِمَّةٌ:
قَالَ فِي الْفُنُونِ فِي الْمُجَلَّدِ التَّاسِعِ عَشَرَ، مُحْتَجًّا عَلَى أَنَّ حُرْمَةَ الْحَيَوَانِ آكَدُ مِنْ حُرْمَةِ الْمَالِ: لَوْ أَذِنَ فِي قَتْلِ عَبْدِهِ، فَقَتَلَهُ؛ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ لِلَّهِ، وَأَثِمَ، وَلَوْ أَذِنَ فِي إتْلَافِ مَالِهِ سَقَطَ الضَّمَانُ وَالْمَأْتَمُ، وَلَا كَفَّارَةَ. انْتَهَى.
فَلَوْ غَصَبَ إنْسَانٌ طَعَامًا، وَ(أَطْعَمَهُ)- أَيْ: الطَّعَامَ الْمَغْصُوبَ- (لِمَالِكِهِ) أَوْ أَجْنَبِيٍّ، (وَلَمْ يُعْلِمْهُ) الْغَاصِبُ، أَوْ أَطْعَمَهُ (لِنَحْوِ دَابَّتِهِ)- أَيْ: الْمَالِكِ- كَعَبْدِهِ؛ لَمْ يَبْرَأْ غَاصِبٌ (وَلَوْ لَمْ يَقُلْ) غَاصِبٌ لِآكِلٍ فَإِنَّهُ (طَعَامِي، أَوْ أَخَذَهُ) الْمَالِكُ مِنْ غَاصِبٍ (هِبَةً) أَوْ أَخَذَهُ (صَدَقَةً؛ لَمْ يَبْرَأْ) غَاصِبٌ، أَوْ أَبَاحَهُ لَهُ؛ بِأَنْ كَانَ صَابُونًا، فَقَالَ: اغْسِلْ بِهِ، أَوْ شَمْعًا فَأَمَرَهُ بِوَقْدِهِ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُهُ، أَوْ اسْتَرْهَنَهُ مَالِكٌ أَوْ اسْتَوْدَعَهُ أَوْ اسْتَأْجَرَهُ مِنْ غَاصِبِهِ، أَوْ اسْتَأْجَرَ غَاصِبٌ مَالِكًا عَلَى قِصَارَةِ ثَوْبٍ مَغْصُوبٍ أَوْ خِيَاطَتِهِ أَوْ صَبْغِهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ مَالِكُهُ أَنَّهُ مِلْكُهُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا؛ لَمْ يَبْرَأْ غَاصِبٌ. أَمَّا كَوْنُهُ لَا يَبْرَأ بِالطَّعَامِ وَالْإِبَاحَةِ؛ فَلِأَنَّهُ بِغَصْبِهِ مَنَعَ يَدَ مَالِكِهِ وَسُلْطَانِهِ عَنْهُ، وَلَمْ يَعُدْ إلَيْهِ بِذَلِكَ سُلْطَانُهُ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَمْلِكْ التَّصَرُّفَ فِيهِ بِغَيْرِ مَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ الْغَاصِبُ، وَأَمَّا فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ؛ فَلِأَنَّهُ تُحْمَلُ مِنَّتُهُ، وَرُبَّمَا كَافَأَهُ عَلَى ذَلِكَ. وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الرَّهْنِ وَمَا بَعْدَهَا؛ فَلِأَنَّهُ قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ الْأَمَانَةِ؛ فَلَمْ يَعُدْ إلَيْهِ بِذَلِكَ سُلْطَانُهُ، وَهُوَ تَمْكِينُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِكُلِّ مَا أَرَادَ. وَإِنْ كَانَ الْمَالِكُ عَالِمًا أَنَّهُ مَلَكَهُ وَأَكَلَهُ بِإِطْعَامِ الْغَاصِبِ لَهُ، أَوْ أَكَلَهُ بِنَفْسِهِ، أَوْ أَكَلَهُ عَبْدُهُ أَوْ دَابَّتُهُ بِيَدِهِ- وَلَوْ بِلَا إذْنِهِ- بَرِئَ الْغَاصِبُ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ أَتْلَفَ مَالَهُ عَالِمًا مِنْ غَيْرِ تَغْرِيرٍ؛ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ رُجُوعٌ بِهِ عَلَى أَحَدٍ، وَكَذَلِكَ الْأَجْنَبِيُّ إذَا أَكَلَ مَا عَلِمَ بِقَبْضِهِ؛ بَرِئَ الْغَاصِبُ، وَلَزِمَ الْأَجْنَبِيَّ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ فِي بَحْثِ الْيَدِ الْأُولَى مِنْ الْأَيْدِي الْعَشَرَةِ، وَيَرْجِعُ مُتَمَلِّكٌ غُصِبَ بِعِوَضٍ كَقَرْضٍ وَشِرَاءٍ إلَى آخِرِهِ عَلَى غَاصِبٍ، وَغَاصِبٌ عَلَى مُتَمَلِّكٍ بِقِيمَةِ غَصْبٍ وَأَرْشِ بَكَارَةٍ؛ أَيْ: لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ دَخَلَ مَعَ الْغَاصِبِ عَلَى ضَمَانِ ذَلِكَ (بَرَاءَةُ غَاصِبٍ بِدَفْعِهِ) الْمَغْصُوبَ (لِمَالِكِهِ) بِعَقْدِ (قَرْضٍ أَوْ) عَقْدِ (شِرَاءٍ أَوْ تَلَفٍ) عِنْدَ مَالِكِهِ، (وَلَمْ يَعْلَمْ) بِهِ الْمَالِكُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ، وَصَحَّحَهُ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَهُوَ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ تَسَلَّمَهُ تَسَلُّمًا تَامًّا، فَصَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ، وَقَدْ قَالُوا: لَا شَيْءَ لِمَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ أَجْنَبِيًّا، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَإِنْ بَاعَهُ مِنْهُ بَرِيءَ قَوْلًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْمَبِيعِ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُشْتَرِي.
تَنْبِيهٌ:
قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْغَاصِبَ يَبْرَأُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ فِيمَا إذَا أَجَرَهُ لِمَالِكِهِ، لِدُخُولِهِ عَلَى ضَمَانِهَا، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، (خِلَافًا لَهُمَا)- أَيْ: لِلْمُنْتَهَى وَالْإِقْنَاعِ فَإِنَّهُمَا قَالَا: أَوْ أَخَذَهُ الْمَالِكُ: (فِيمَا يُوهِمُ) أَنَّهُمَا لَمْ يُصَرِّحَا بِذَلِكَ مَعَ أَنَّهُمَا صَرَّحَا بِهِ، وَالْمَنْصُوصُ كَمَا قَالَهُ الْحَارِثِيُّ، لَكِنَّ الْقِيَاسَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ لَمْ يَتْلَفْ) الْمَغْصُوبُ الَّذِي اشْتَرَاهُ أَوْ اسْتَقْرَضَهُ مَالِكُهُ مِنْ الْغَاصِبِ؛ (لَمْ يَبْرَأْ) مِنْهُ لِلْغَاصِبِ؛ لِاحْتِمَالِ رَدِّهِ بِنَحْوِ عَيْبٍ، فَيَتْلَفُ بَعْدَهُ؛ كَمَا لَوْ دَفَعَهُ الْغَاصِبُ لَهُ- أَيْ: لِمَالِكِهِ- (أَمَانَةً)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى ضَمَانِ ذَلِكَ؛ إذْ لَوْ تَلِفَ تَحْتَ يَدِهِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ لَا يَكُونُ ضَامِنًا. (وَإِنْ صَدَرَ مَا تَقَدَّمَ) ذِكْرُهُ (مِنْ مَالِكٍ)؛ بِأَنْ أَطْعَمَ الْمَالِكُ مَا غُصِبَ مِنْهُ (الْغَاصِبَ) أَوْ لِدَابَّتِهِ، أَوْ وَهَبَهُ إيَّاهُ، أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ، أَوْ رَهَنَهُ، أَوْ أَوْدَعَهُ، أَوْ أَجَرَهُ إيَّاهُ، أَوْ بَاعَهُ مِنْهُ، أَوْ أَقْرَضَهُ، أَوْ أَعَارَهُ لَهُ، وَاسْتَأْجَرَ الْمَالِكُ الْغَاصِبَ عَلَى قِصَارَةِ الثَّوْبِ الْمَغْصُوبِ أَوْ عَلَى تَعْلِيمِ الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ؛ (بَرِئَ) الْغَاصِبُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا، سَوَاءٌ عَلِمَ الْمَالِكُ أَنَّ الْمَغْصُوبَ مِلْكَهُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ؛ اعْتِبَارًا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. كَمَنْ وَطِئَ امْرَأَةً يَظُنُّهَا أَجْنَبِيَّةً، فَتَبَيَّنَتْ زَوْجَتُهُ؛ فَإِنَّهُ لَا مَهْرَ عَلَيْهِ وَلَا غَيْرَهُ [، وَكَمَا لَوْ أَكَلَ فِي الصَّوْمِ يَظُنُّ أَنْ الشَّمْسَ لَمْ تَغْرُبْ فَتَبَيَّنَ أَنَّهَا كَانَتْ غَرَبَتْ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ]، مِنْ ضَمَانِ (غَصْبٍ) فَقَطْ، لَا مِنْ إثْمِهِ الْحَاصِلِ بِارْتِكَابِهِ الِاسْتِيلَادَ وَالْحَيْلُولَةَ بَيْنَ الْمَالِكِ وَبَيْنَ مَالِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَصُدُورُ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمَالِكِ مُبَرِّئٌ لِلْغَاصِبِ مِنْ الْغَصْبِ، وَمُزِيلٌ لِحُكْمِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِ صُوَرِهِ مَا يَكُونُ فِي ضَمَانِ الْغَاصِبِ؛ كَمَا لَوْ أَقْرَضَهُ الدَّرَاهِمَ الْمَغْصُوبَةَ، فَإِنَّ حُكْمَ الْغَصْبِ فِيهَا إذَا اتَّجَرَ بِهَا الْغَاصِبُ أَنَّ الرِّبْحَ يَكُونُ لِمَالِكِهَا، وَالْحُكْمُ فِيمَا بَعْدَ اقْتِرَاضِهَا مِنْ مَالِكِهَا أَنَّ الرِّبْحَ يَكُونُ لِلَّذِي اغْتَصَبَهَا، وَكَمَا لَوْ بَاعَهُ أَوْ أَعَارَهُ؛ فَإِنَّ لَهُ الرُّجُوعَ عَلَى الْغَاصِبِ بِأُجْرَةِ الْمَنْفَعَةِ؛ لِدُخُولِهِ عَلَى أَنَّ الْمَنْفَعَةَ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ عَلَيْهِ عَلَى الْغَاصِبِ بِأُجْرَةٍ، كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُ الْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ؛ وَكَمَا لَوْ زَوَّجَ الْمَالِكُ الْغَاصِبَ الْأَمَةَ الْمَغْصُوبَةَ، فَإِنَّ الْغَاصِبَ يَبْرَأُ مِنْ عُهْدَةِ غَصْبِهَا، وَتَصِيرُ بِيَدِهِ أَمَانَةً؛ كَمَا لَوْ لَمْ يَغْصِبْهَا قَبْلَ تَزَوُّجِهَا؛ لِأَنَّ إتْلَافَ الْمَغْصُوبِ حَصَلَ بِأَمْرِ مَالِكِهِ، وَبَقَاؤُهُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ حَصَلَ بِرِضَى مَالِكِهِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْ غَصْبٌ. (وَمَنْ اشْتَرَى أَرْضًا، فَغَرَسَ) فِيهَا، (أَوْ بَنَى فِيهَا، فَخَرَجَتْ مُسْتَحَقَّةً) لِغَيْرِ بَائِعِهَا، (وَقَلَعَ غَرْسَهُ)- أَيْ: غَرْسَ الْمُشْتَرِيَ- (وَبِنَاءَهُ)؛ لِكَوْنِهِ وُضِعَ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ (رَجَعَ) مُشْتَرٍ (عَلَى بَائِعٍ بِمَا غَرِمَهُ) بِسَبَبِ ذَلِكَ (مِنْ ثَمَنٍ) أَقْبَضَهُ، (وَأُجْرَةِ غَارِسٍ وَبَانٍ وَثَمَنِ مُؤَنٍ) مُسْتَهْلَكَةٍ (وَأَرْشِ نَقْصٍ بِقَلْعٍ) وَنَحْوِ ذَلِكَ وَأُجْرَةِ دَارٍ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ غَرَّ الْمُشْتَرِيَ بِبَيْعِهِ إيَّاهَا، وَأَوْهَمَهُ أَنَّهَا مِلْكُهُ، وَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا فِي غِرَاسِهِ وَبِنَائِهِ وَانْتِفَاعِهِ، فَرَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا غَرِمَهُ. وَلَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي (بِمَا أَنْفَقَ عَلَى قِنٍّ وَحَيَوَانٍ وَخَرَاجِ أَرْضٍ)- إذَا اشْتَرَى أَرْضًا خَرَاجِيَّةً وَغَرِمَ خَرَاجَهَا، ثُمَّ ظَهَرَتْ مُسْتَحَقَّةً؛ فَلَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي؛ بِذَلِكَ عَلَى الْبَائِعِ؛ (لِأَنَّهُ)- أَيْ: الْمُشْتَرِيَ- (دَخَلَ فِي الشِّرَاءِ مُلْتَزِمًا ضَمَانَ ذَلِكَ)؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ يَقْتَضِي النَّفَقَةَ عَلَى الْمَبِيعِ وَدَفْعِ خَرَاجِهِ، قَالَهُ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ قُلْت: وَقِيَاسُ ذَلِكَ أَنَّ الزَّوْجَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَى الزَّوْجَةِ إذَا خَرَجَتْ مَغْصُوبَةً؛ كَمَا أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْحُرَّةِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، وَبَيْعُ لْخَرَاجِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ غَيْرُ صَحِيحٍ، فَالْمُرَادُ هُنَا إذَا حَكَمَ بِهِ مَنْ يَرَاهُ، أَوْ الْمُرَادُ بِهِ النُّزُولُ عَنْهَا لِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الِانْتِفَاعِ وَوَزْنِ الْخَرَاجِ كَمَا يَأْتِي فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ. (وَيَجُوزُ تَمَلُّكُ زَرْعِهِ)- أَيْ: الْغَاصِبِ- بِبَدَلِ بَذْرِهِ وَعِوَضِ لَوَاحِقِهِ، (وَمَنْ) اشْتَرَى شَيْئًا ثُمَّ (أُخِذَ)؛ أَيْ: اُنْتُزِعَ (مِنْهُ بِحُجَّةٍ) مُطْلَقَةٍ؛ أَيْ: بِأَنْ أُقِيمَتْ بَيِّنَةٌ شَهِدَتْ لِلْمُدَّعِي بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ؛ بِأَنْ لَمْ تَقُلْ: مَلَكَهُ مِنْ وَقْتِ كَذَا (مَا اشْتَرَاهُ) مُدَّعًى عَلَيْهِ؛ (رَدَّ بَائِعُهُ) لِلْمُشْتَرِي (مَا قَبَضَهُ) مِنْهُ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِفَسَادِ الْعَقْدِ بِخُرُوجِهِ مُسْتَحَقًّا، وَالْأَصْلُ عَدَمُ حُدُوثِ مِلْكٍ نَاشِئٍ عَنْ الْمُشْتَرِي، كَمَا لَوْ شَهِدَتْ بِمِلْكٍ سَابِقٍ عَلَى زَمَنِ الشِّرَاءِ. (وَمَنْ اشْتَرَى قِنًّا) مِنْ إنْسَانٍ، (فَأَعْتَقَهُ، فَادَّعَى شَخْصٌ- وَلَا بَيِّنَةَ أَنْ الْبَائِعَ) لِلْقِنِّ (غَصَبَهُ مِنْهُ) أَيْ الْقِنِّ- (فَصَدَّقَهُ) عَلَى مُدَّعَاهُ (أَحَدُهُمَا)- أَيْ: الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي (لَمْ يُقْبَلْ) تَصْدِيقُهُ (عَلَى الْآخَرِ) الْمُنْكِرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ (بَلْ) يُقْبَلُ تَصْدِيقُهُ (عَلَى نَفْسِهِ) فَقَطْ. (وَإِنْ صَدَّقَاهُ) أَيْ: الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي- (مَعَ) الْقِنِّ (الْمَبِيعَ؛ لَمْ يَبْطُلْ عِتْقُهُ؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّ اللَّهِ) تَعَالَى بِهِ؛ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ بِعِتْقِهِ، وَأَنْكَرَهُ الْعَبْدُ؛ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا، وَلَمْ يُقْبَلْ إنْكَارُهُ مَعَ اتِّفَاقِ السَّيِّدِ وَالْقِنِّ عَلَى الرِّقِّ. (وَكَذَا مَنْ قَالَ: أَنَا حُرٌّ، ثُمَّ أَقَرَّ بِالرِّقِّ؛ لَمْ يُقْبَلْ) إقْرَارُهُ. وَلِمَالِكٍ تَضْمِينُ مَنْ شَاءَ مِنْهَا قِيمَتَهُ يَوْمَ الْعِتْقِ، (وَيَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ)- أَيْ: ضَمَانَ الْقِيمَةِ- (عَلَى مُعْتِقِهِ) لِمُدَّعِي الْغَصْبِ يَوْمَ الْعِتْقِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَإِنْ حَكَاهُ شَارِحُ الْمُنْتَهَى؛ يُقْبَلُ؛ لِاعْتِرَافِهِ بِالْإِتْلَافِ بِالْعِتْقِ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهِ. (وَيَتَّجِهُ وَيَرُدُّ بَائِعٌ) قِنٍّ ادَّعَى عَلَيْهِ بِأَنَّهُ غَاصِبٌ لِمُشْتَرٍ (مَا)- أَيْ ثَمَنًا- (أَخَذَهُ مِنْهُ)، وَهَذَا الِاتِّجَاهُ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْمُبْدِعِ وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِ، وَعِبَارَتُهُ: وَمَتَى أَنْ حَكَمْنَا بِالْحُرِّيَّةِ؛ فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ قِيمَتِهِ يَوْمَ عِتْقِهِ، فَإِنْ ضَمِنَ؛ رَجَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ، وَإِنْ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْبَائِعِ إلَّا بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ مِنْهُ، فَاسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَيْهِ انْتَهَى.
(وَلَوْ مَاتَ الْقِنُّ، وَخَلَّفَ مَالًا- وَلَا وَارِثَ) لَهُ- فَالْمَالُ الْمُخَلَّفُ عَنْهُ (لِمُدَّعٍ)؛ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّهُ لَهُ، (وَلَا وَلَاءَ) لَهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْتِقْهُ، وَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ لِلْمُعْتِقِ؛ لِاعْتِرَافِهِ بِفَسَادِ عِتْقِهِ، فَإِنْ خَلَّفَ وَارِثًا؛ فَالْمَالُ لَهُ لِلْحُكْمِ بِحُرِّيَّتِهِ، وَإِنْ أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً بِأَنَّ الْبَائِعَ غَصَبَ مِنْهُ عَبْدَهُ؛ بَطَلَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَالِكٍ وَلَا مَأْذُونِهِ، وَبَطَلَ الْعِتْقُ أَيْضًا؛ لِتَرَتُّبِهِ عَلَى الْبَيْعِ الْبَاطِلِ، وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ؛ لِبُطْلَانِ الْبَيْعِ. (وَإِنْ لَمْ يَعْتِقْهُ مُشْتَرٍ)، وَادَّعَى إنْسَانٌ أَنَّهُ غَصَبَهُ الْبَائِعُ مِنْهُ، وَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً بِمَا ادَّعَاهُ؛ انْتَقَضَ الْبَيْعُ، وَرَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ؛ لِبُطْلَانِ الْبَيْعِ، وَكَذَلِكَ إنْ أَقَرَّ- أَيْ: الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي- (بِغَصْبِهِ لِمُدَّعِيهِ)؛ أَيْ: بِأَنَّ الْبَائِعَ غَصَبَهُ مِنْ الْمُدَّعِي؛ (بَطَل بَيْعٌ)؛ لِإِقْرَارِهِمَا بِالْغَصْبِ، (وَرُدَّ ثَمَنٌ) قَبَضَهُ بَائِعٌ لِمُشْتَرٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْتَقَهُ. (وَإِنْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا) بِمَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي مِنْ غَصْبِ الْقِنِّ؛ (لَمْ يُقْبَلْ) إقْرَارُهُ (عَلَى الْآخَرِ)؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ غَيْرِهِ، ثُمَّ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُقِرُّ الْبَائِعَ أَوْ الْمُشْتَرِيَ، وَقَدْ أَشَارَ إلَى الْبَائِعِ بِقَوْلِهِ: (فَيَلْزَمُ بَائِعًا أَقَرَّ لَهُ)- أَيْ: لِلْمُدَّعِي بِمُدَّعَاهُ- وَكَانَ إقْرَارُهُ لَهُ (بَعْدَ) انْقِضَاءِ مُدَّةِ (خِيَارِ قِيمَتِهِ)- أَيْ: الْعَبْدِ- لِلْمُقَرِّ لَهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، وَقَدْ أُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَيُقَرُّ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ فِي الظَّاهِرِ. (وَلَهُ)- أَيْ: الْبَائِعُ- (تَحْلِيفُ مُشْتَرٍ) أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ صِحَّةَ إقْرَارِهِ، فَإِنْ نَكَلَ؛ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ. (وَإِنْ كَانَ) الْبَائِعُ (مَا قَبَضَ الثَّمَنَ؛ لَمْ يُطَالِبْهُ بِهِ)؛ لِإِقْرَارِهِ بِمَا يُسْقِطُهُ، (وَإِنْ كَانَ) الْبَائِعُ قَدْ (قَبَضَهُ)- أَيْ: الثَّمَنَ (لَمْ يَسْتَرِدَّهُ مُشْتَرٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِيهِ، فَإِنْ عَادَ [قِنٌّ لِمُقِرٍّ]) وَهُوَ الْبَائِعُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، بِفَسْخٍ لِلْبَيْعِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ إرْثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ شِرَاءٍ؛ وَجَبَ عَلَيْهِ (رَدُّهُ لِمُدَّعِيهِ)؛ لِاعْتِرَافِهِ لَهُ بِالْمِلْكِ. وَلَهُ اسْتِرْجَاعُ مَا أُخِذَ مِنْهُ فِي نَظِيرِ الْحَيْلُولَةِ لِزَوَالِهَا (وَ) إنْ كَانَ إقْرَارُ الْبَائِعِ؛ بِأَنَّ غَصْبَهُ مِنْهُ (فِي) مُدَّةِ (خِيَارٍ)؛ فَإِنَّهُ (يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ)؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ فَسْخَهُ، فَقُبِلَ إقْرَارُهُ بِمَا يَفْسَخُهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ خِيَارُ مَجْلِسٍ أَوْ خِيَارُ شَرْطٍ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ، لَا لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ، وَأَشَارَ إلَى الْمُشْتَرِي بِقَوْلِهِ: (وَيَلْزَمُ مُشْتَرِيًا أَقَرَّ) بِأَنَّ الْبَائِعَ غَصَبَهُ مِنْ مُدَّعِيهِ؛ (رَدُّ عَبْدٍ) لِلْمُدَّعِي؛ لِإِقْرَارِهِ لَهُ بِالْمِلْكِ، وَلَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ عَلَى الْبَائِعِ، وَلَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي الرُّجُوعَ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ إنْ كَانَ قَبَضَهُ، وَعَلَى الْمُشْتَرِي (دَفْعُ ثَمَنٍ لِبَائِعٍ) إنْ لَمْ يَكُنْ قَبَضَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي مِلْكِهِ فِي الظَّاهِرِ. (وَإِنْ أَقَامَ) الْمُشْتَرِي (بَيِّنَةً) بِمَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ غَصْبِ الْبَائِعِ لِلْعَبْدِ؛ (عُمِلَ بِهَا)- أَيْ: بِالْبَيِّنَةِ- لِعَدَمِ مَا يُنَافِيهَا، وَلَهُ الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ حِينَئِذٍ؛ لِتَبَيُّنِ بُطْلَانِ الْبَيْعِ، (وَكَذَا بَائِعٌ) أَقَرَّ بِأَنَّهُ غَصَبَهُ مِنْ الْمُدَّعِي، وَأَقَامَ بَيِّنَةً بِمَا أَقَرَّ بِهِ، (وَلَمْ يَقُلْ) بَائِعٌ (حَالَ بَيْعٍ: بِعْتُك عَبْدِي هَذَا، أَوْ) بِعْتُك (مِلْكِي)، بَلْ قَالَ: بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ مَثَلًا قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَبِيعُ مِلْكَهُ وَمِلْكَ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ فِي حَالِ الْبَيْعِ قَالَ: بِعْتُك عَبْدِي هَذَا أَوْ مِلْكِي؛ لَمْ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ؛ (لِأَنَّهُ يُكَذِّبُهَا) بِقَوْلِهِ: عَبْدِي هَذَا أَوْ مِلْكِي. وَإِنْ أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ سُمِعَتْ بَيِّنَتُهُ، وَبَطَلَ الْبَيْعُ، وَكَذَا الْعِتْقُ إنْ كَانَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْبَائِعِ لِلْمُدَّعِي بِأَنَّهُ غَصَبَهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَجُرُّ بِهَا إلَى نَفْسِهِ نَفْعًا، وَإِنْ أَنْكَرَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي مُدَّعَى الْعَبْدِ، فَلَهُ إحْلَافُهُمَا؛ لِحَدِيثِ: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ».
تَتِمَّةٌ:
قَالَ أَحْمَدُ، فِي رَجُلٍ يَجِدُ سَرِقَتَهُ عِنْدَ إنْسَانٍ بِعَيْنِهَا قَالَ: هُوَ مِلْكُهُ يَأْخُذُهَا. أَذْهَبُ إلَى حَدِيثِ سَمُرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ وَجَدَ مَتَاعَهُ عِنْدَ رَجُلٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، يَتْبَعُ الْمُبْتَاعُ مَنْ بَاعَهُ» رَوَاه هُشَيْمِ عَنْ مُوسَى بْنِ السَّائِبِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ وَمُوسَى بْنِ السَّائِبِ ثِقَةٌ.